الاضطراب الحدِّي للشخصية: نافذة على صراع داخلي معقَّد

الامارات 7 - الاضطراب الحدِّي للشخصية: نافذة على صراع داخلي معقَّد

الاضطراب الحدِّي للشخصية، المعروف اختصارًا بـ (BPD)، هو حالة نفسية شائكة تنتمي إلى مجموعة اضطرابات الشخصية، حيث يتجلَّى في نمط متكرر ومكثف من عدم الاستقرار العاطفي، والسلوكيات المندفعة، وصعوبة تكوين علاقات مستقرة. يعاني المصابون بهذا الاضطراب من تحديات يومية تعوق حياتهم الشخصية والاجتماعية، مما يجعل فهمه والتعامل معه ضرورة ملحة للمجتمع.

خصائص الاضطراب الحدِّي للشخصية

1. عدم استقرار عاطفي

يعاني الأشخاص المصابون بـBPD من تقلبات حادة وسريعة في المزاج. قد يشعرون بالسعادة في لحظة ثم يغرقون في مشاعر الحزن أو الغضب في اللحظة التالية، دون وجود سبب واضح.

2. خوف مفرط من الهجر

الخوف من الهجر أو الرفض يُعد أحد أبرز ملامح هذا الاضطراب. يمكن أن تؤدي مواقف بسيطة، كإلغاء موعد أو تأخر رد على رسالة، إلى شعور عميق بعدم الأمان.

3. سلوكيات اندفاعية

يتجلى هذا الجانب في اتخاذ قرارات متهورة أو الانخراط في سلوكيات خطرة مثل الإسراف في الإنفاق، تعاطي المخدرات، العلاقات العاطفية غير المستقرة، أو إيذاء النفس.

4. صعوبة في تكوين الهوية الذاتية

يعاني المصابون من شعور ضبابي حول هويتهم الذاتية، ما يجعلهم يشعرون بعدم الثبات فيما يخص أهدافهم، قيمهم، أو حتى اهتماماتهم الشخصية.

5. علاقات متأرجحة

العلاقات مع الآخرين غالبًا ما تكون متوترة وغير مستقرة، حيث يميل المصابون إلى التعلق الزائد أو الابتعاد المفاجئ.

الأسباب والعوامل المؤثرة

1. العوامل البيولوجية

تشير الدراسات إلى أن هناك رابطًا بين هذا الاضطراب واختلال في كيمياء الدماغ، خصوصًا تلك المناطق المسؤولة عن التحكم في العواطف.

2. العوامل الوراثية

قد يكون للوراثة دور في زيادة خطر الإصابة، حيث يُلاحظ وجود تاريخ عائلي لاضطرابات الشخصية أو الأمراض النفسية.

3. تجارب الطفولة المؤلمة

تاريخ من الإهمال، سوء المعاملة، أو فقدان الدعم العاطفي في مرحلة الطفولة قد يُساهم بشكل كبير في تطوير BPD.

التشخيص

لا يعتمد التشخيص على اختبار واحد، بل يتم من خلال تقييم شامل يعتمد على معايير محددة تُحدِّدها جمعية الطب النفسي الأمريكية (DSM-5). يستند الطبيب إلى التاريخ الشخصي والعائلي، بالإضافة إلى الملاحظة المباشرة للسلوكيات.

العلاج وسبل التعافي

1. العلاج النفسي

العلاج السلوكي الجدلي (DBT): يهدف إلى تحسين مهارات التحكم العاطفي والتعامل مع الضغوط.

العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد على تغيير الأفكار السلبية وتطوير أنماط سلوك أكثر صحة.

2. الأدوية

لا يوجد دواء مخصص لعلاج BPD، ولكن يمكن استخدام مضادات الاكتئاب، مضادات القلق، أو مثبتات المزاج لتخفيف الأعراض.

3. الدعم الاجتماعي

دور الأسرة والأصدقاء في توفير بيئة داعمة أمر بالغ الأهمية. فهم الحالة وتقديم الدعم العاطفي يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا.

وصمة المرض النفسي: تحديات إضافية

لا تزال وصمة العار المرتبطة بالاضطرابات النفسية تُثقل كاهل المصابين بـBPD، مما يُعقِّد جهود التعافي. من المهم تعزيز التوعية العامة لتقليل هذه الوصمة وتشجيع الأشخاص على طلب المساعدة.

الختام

يمثل اضطراب الشخصية الحدِّية تحديًا معقدًا للأفراد والمجتمعات، لكنه ليس نهاية الطريق. بالجمع بين العلاج المناسب والدعم المستمر، يمكن للأشخاص المصابين بهذا الاضطراب أن يعيشوا حياة مستقرة ومرضية. فهمنا العميق لحالتهم هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع أكثر شمولية ورحمة.




شريط الأخبار