عماد الدين حسين
تحب ترامب أو لا تحبه فهذا أمر يخصك، لكنه هو الشخص الوحيد في العالم الذي تمكن من وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. قد لا يعجب هذا الكلام كثيرين في المنطقة العربية، لكن نحن لا نتحدث عن الإعجاب من عدمه، بل عن محاولة التفريق بين المشاعر، وبين الوقائع، حتى نقف كرأي عام عربي على أرض صلبة من الفهم، وبالتالي نتجنب الغرق في الأوهام.هل كان ترامب مؤيداً ومنحازاً لإسرائيل طوال مرحلة العدوان؟ الإجابة هي نعم، ليس ذلك فقط، بل هو منحاز لإسرائيل منذ نعومه أظفاره، وهو الوحيد بين الرؤساء الأمريكيين الذي تجرأ ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، ووافق على ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية المحتلة خلال ولايته الأولى من يناير 2017 إلى 2021.. هو أيضاً أكثر رئيس أمريكي ناصر ودعم إسرائيل في الحرب، بل كان يردد بصفة مستمرة عبارة «سوف نفتح على حماس بوابات الجحيم»، منذ عودته للبيت الأبيض.
نحن لا نحتاج إلى مزيد من الأدلة للبرهنة على أن ترامب منحاز لإسرائيل. بل إنه الوحيد الذي تمكن من إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بقبول الهدنة في 19 يناير الماضي قبل يوم واحد من عودته للبيت الأبيض.. حينما نقول إن ترامب هو الوحيد القادر على إقناع أو إجبار نتانياهو على وقف الحرب، فإن ذلك لا يعني أنه محب للفلسطينيين أو مؤمن بالسلام العادل والشرعية الدولية، بل هو يتباهى طوال الوقت بأنه لا يخدم إلا القادة الأقوياء ومنهم نتانياهو.
درس العدوان الذي استمر عامين منذ 7 أكتوبر 2023 أثبت أن أمريكا فقط هي القادرة على لجم نتانياهو وحكومته ومتطرفيه، وليس لأي قوة أخرى، بل إنه قاوم بضراوة محاولات إدارة جو بايدن السابق للوصول إلى هدنة وتسوية.
نتذكر أن الأمم المتحدة حاولت مراراً وتكراراً إقناع إسرائيل بوقف العدوان، لكنها فشلت رغم القرارات والتوصيات الكثيرة التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونتذكر أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض «الفيتو» أكثر من مرة لعرقلة إصدار قرار من مجلس الأمن يوقف العدوان، ورأينا إسرائيل تتحدى المنظمة الدولية، بل تتهم أمينها العام أنطونيو غوتيرش، بالانحياز لحماس ومعاداة السامية، كما عرقلت وأوقفت العديد من عمل المنظمات الدولية في غزة والضفة خصوصاً «الأونروا».
الدول الأوروبية ناشدت إسرائيل كثيراً وقف الحرب، ولكنها فشلت، وبعض هذه الدول قرر الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فما كان رد إسرائيل إلا الإعلان عن مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. الدول العربية والإسلامية عقدت العديد من القمم الطارئة للمطالبة بوقف العدوان، لكن محاولاتها لم تحقق نجاحاً للأسف.
وحتى المعارضة الإسرائيلية وأهالي الأسرى نظموا العديد من المظاهرات والاحتجاجات، بل والإضراب العام لإجبار نتانياهو على وقف الحرب وفشلوا.. الوحيد الذي نجح في ذلك هو ترامب وليس حباً في الفلسطينيين والعرب، ولكن لأنه شعر أن استمرار نتانياهو في الحرب سيسبب خسائر استراتيجية للولايات المتحدة، خصوصاً فيما يتعلق بعلاقاتها مع الدول العربية وبالأخص دول الخليج.
ترامب أوقف الحرب لأن نتانياهو لا يمكنه الدخول في معركة علنية معه، مثلما فعل مع جو بايدن، وقبله مع باراك أوباما، ونتذكر أنه ذهب إلى الكونغرس وخاطبه مباشرة حتى من دون الاستئذان من باراك أوباما. نتانياهو فوجئ برد ترامب على رد حماس واعتباره موافقة منها على خطته لوقف الحرب.
لم يكن أمام نتانياهو من مفر سوى الاستجابة لطلب ترامب، وهكذا ولدت خطة الـ 20 بنداً، لأن تحدي ترامب يعني أن نتانياهو ينتحر، فترامب هو الممول الأول لإسرائيل سواء عبر المساعدات الاقتصادية أم العسكرية أم السياسية، ومن دون الدعم الأمريكي فإن إسرائيل تتحول إلى مجرد دولة عادية صغيرة.
لدى ترامب العديد من العيوب الشخصية والسياسية، والكثيرون تحدثوا عنها، لكن موضوعنا اليوم هو دور ترامب في توقيع الخطة، ومن لديه اعتراض على هذا السؤال، فعليه أن يسأل نفسه: ولماذا لم تنجح كل المحاولات السابقة في إقناع الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب؟!
نجح ترامب في وقف الحرب مؤقتاً، لكن السؤال: هل ستحول هذه الهدنة إلى تسوية أو سلام دائم؟». هذا سؤال صعب جداً.. المهم أن تستمر الهدنة الحالية لشهور حتى يلتقط الفلسطينيون في غزة أنفاسهم وبعدها يمكن أن نلحظ تطورات فلسطينية أو إسرائيلية داخلية، واستمرار التنسيق العربي، ومدى الضغط الأمريكي على إسرائيل لاستمرار وقف القتال.