الرياضة وصحة الدماغ: كيف تحافظ على عقلك في منتصف العمر وما بعده؟

الامارات 7 - لا يقتصر تأثير النشاط البدني على تحسين اللياقة البدنية والحفاظ على الوزن فحسب، بل يمتد ليشمل الدماغ أيضًا، حيث أظهرت الدراسات الحديثة أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تساهم في تقليل معدل انكماش المخ المرتبط بالتقدم في العمر، وتعزز صحة الوظائف الإدراكية. وفقًا لدراسة أجراها مركز إيرفينغ الطبي بجامعة كولومبيا في نيويورك، فإن الأشخاص الذين يمارسون مستويات عالية من النشاط البدني في منتصف العمر، بمعدل يزيد عن 150 دقيقة أسبوعيًا، يتمتعون بدماغ أكثر صحة مع تقدم العمر، مقارنة بمن يمارسون نشاطًا أقل.

التأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على الدماغ يعود إلى قدرتها على تعزيز تدفق الدم إلى الأنسجة العصبية، مما يضمن وصول الأكسجين والمغذيات الأساسية إلى الخلايا العصبية. هذه العملية تحمي الدماغ من التدهور المبكر وتساعد في الحفاظ على وظائفه الإدراكية. مع التقدم في العمر، يصبح الدماغ أكثر عرضة لانخفاض كثافة المادة الرمادية، وهو ما يؤدي إلى تراجع في الذاكرة والقدرة على التركيز. لكن ممارسة الرياضة بانتظام تقلل من هذه التأثيرات وتساعد في الحفاظ على حجم الدماغ وبنيته السليمة.

الرياضة تحفز أيضًا إفراز بروتينات عصبية مهمة، مثل "BDNF"، الذي يُعرف باسم "عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ". هذا البروتين يلعب دورًا حاسمًا في دعم نمو الخلايا العصبية الجديدة وتعزيز الروابط بينها، مما يجعل الدماغ أكثر مقاومة للتغيرات المرتبطة بالعمر. المستويات المرتفعة من BDNF الناتجة عن التمارين الرياضية يمكن أن تحسن التعلم، تقوي الذاكرة، وتقلل من خطر الإصابة بالخرف.

مقاومة الأنسولين والتهابات الدماغ المزمنة تعدّ من العوامل الرئيسية التي تساهم في التدهور المعرفي، خاصة في منتصف العمر. النشاط البدني يساعد في تحسين حساسية الأنسولين وتقليل الالتهابات، مما يحمي الخلايا العصبية من التلف التدريجي. الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو لديهم مستويات عالية من الدهون الحشوية يكونون أكثر عرضة لهذه التغيرات الضارة، لذا فإن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام قد تكون واحدة من أقوى الوسائل للحد من هذه المخاطر.

أنواع التمارين التي تعزز صحة الدماغ لا تقتصر على نوع واحد، بل تشمل مجموعة متنوعة من الأنشطة، من التمارين الهوائية مثل المشي السريع، الجري، والسباحة، إلى تمارين القوة مثل رفع الأوزان، وتمارين التوازن مثل اليوغا. الدمج بين هذه الأنواع المختلفة يمكن أن يعزز التأثير الإيجابي على الدماغ بشكل أكبر، حيث تعمل التمارين الهوائية على تحسين تدفق الدم، بينما تساعد تمارين القوة في الحفاظ على كتلة العضلات، التي ترتبط بدورها بصحة الدماغ.

النشاط البدني في منتصف العمر لا يحمي الدماغ فقط، بل يمكن أن يكون أداة فعالة لعكس بعض التغيرات التي قد تكون قد بدأت بالفعل. تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يبدؤون ممارسة الرياضة حتى بعد سنوات من الخمول يمكنهم استعادة جزء من وظائفهم الإدراكية وتقليل معدل فقدان المادة الرمادية. هذا يعني أن الوقت ليس متأخرًا أبدًا لبدء ممارسة الرياضة والاستفادة من فوائدها العقلية والجسدية.

إلى جانب الرياضة، يمكن تحسين صحة الدماغ من خلال تبني نمط حياة صحي يشمل تغذية متوازنة، نوم جيد، وإدارة فعالة للتوتر. الجمع بين هذه العوامل مع النشاط البدني يمكن أن يوفر حماية شاملة ضد التدهور العقلي ويضمن شيخوخة صحية مليئة بالحيوية والقدرة على التفكير بوضوح.

منتصف العمر هو الوقت المثالي لاتخاذ خطوات حقيقية للحفاظ على صحة الدماغ. من خلال ممارسة الرياضة بانتظام، يمكن تحسين وظائف الدماغ، تقليل خطر الإصابة بالخرف، وضمان جودة حياة أفضل في السنوات اللاحقة. الدماغ، مثل أي عضلة في الجسم، يحتاج إلى التحفيز والتحدي المستمر، والرياضة هي واحدة من أفضل الطرق للحفاظ عليه نشطًا وقويًا على المدى الطويل.



شريط الأخبار