المناطق الزرقاء: حيث العمر مجرد رقم وسكانها يتجاوزون المائة بصحة وحيوية

الامارات 7 - في وقت يعتبر فيه بلوغ سن المائة إنجازًا نادرًا، تعيش مجتمعات بأكملها في أماكن حول العالم حيث الوصول إلى هذا العمر أمر شائع. هذه المناطق، التي يُطلق عليها "المناطق الزرقاء"، تضم نسبة غير مسبوقة من المعمّرين الذين لا يقتصر طول عمرهم على مجرد سنوات إضافية، بل يتمتعون بصحة استثنائية وعقل نشط حتى مراحل متقدمة من حياتهم. فما السر وراء ذلك؟ وكيف يمكننا تطبيق عاداتهم في حياتنا اليومية لننعم بعمر أطول وصحة أفضل؟

الغذاء: مفتاح الصحة وطول العمر
يتميز سكان المناطق الزرقاء بنظام غذائي متوازن يعتمد بشكل أساسي على النباتات. الأطعمة الطازجة مثل الخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، والبقوليات تشكل حجر الأساس في غذائهم اليومي، مع استهلاك محدود جدًا للحوم ومنتجات الألبان. الدهون الصحية، مثل زيت الزيتون والمكسرات، توفر لهم مصادر غنية بالطاقة، بينما يبتعدون تمامًا عن الأطعمة المعالجة والمشبعة بالسكريات والدهون الصناعية.

وجبات خفيفة ومتوازنة بتوقيت مثالي
إحدى العادات المشتركة بين المعمّرين في هذه المناطق هي تناول الطعام بوعي، حيث يأكلون حتى يشعروا بالشبع بنسبة 80% فقط، وهو مفهوم يعرف باسم "هارا هاتشي بو" في أوكيناوا اليابانية. كما أن وجبتهم الرئيسية عادة ما تكون في وقت مبكر من المساء، مما يمنح الجسم فرصة لحرق السعرات الحرارية بشكل أفضل أثناء الليل.

حركة دائمة بدلاً من الرياضة القاسية
رغم أنهم لا يقضون ساعات في صالات الرياضة، إلا أن سكان المناطق الزرقاء نشطون طوال اليوم. المشي لمسافات طويلة، العمل في الحدائق، وصعود السلالم بدلاً من استخدام المصاعد جزء من حياتهم اليومية. كبار السن في هذه المناطق يواصلون القيام بأعمالهم اليومية دون الاعتماد على الأجهزة الحديثة، مما يحافظ على لياقتهم البدنية ويعزز صحة القلب والعضلات.

مجتمعات متماسكة وروابط اجتماعية قوية
لا يعيش المعمّرون في عزلة، بل تحيط بهم عائلاتهم وأصدقاؤهم. وجود علاقات اجتماعية داعمة يقلل من الشعور بالوحدة والاكتئاب، ويخلق بيئة إيجابية تعزز الصحة النفسية والجسدية. في إيكاريا اليونانية، يمضي السكان أوقاتهم في التجمعات الاجتماعية التي تتضمن الأحاديث والضحك، مما ينعكس إيجابيًا على أعمارهم وصحتهم.

الحد من التوتر والاستمتاع بالحياة
الضغط العصبي من العوامل التي تسرّع الشيخوخة وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض، لكن سكان المناطق الزرقاء يعرفون كيف يسيطرون عليه. لديهم عادات يومية تساعدهم على التخلص من التوتر، مثل التأمل، الصلاة، القيلولة، أو ببساطة قضاء وقت هادئ في الطبيعة. في نيكويا بكوستاريكا، مثلاً، يعتبر التوقف عن العمل في فترة الظهيرة والاسترخاء جزءًا من ثقافة الحياة.

النوم العميق والمنظم
سكان هذه المناطق يحترمون إيقاعهم البيولوجي، حيث ينامون في وقت مبكر ويستيقظون مع ضوء الشمس. لا يعتمدون على المنبهات أو الكافيين بكثرة، مما يساعدهم في الحصول على نوم هادئ وعميق يعزز وظائف الدماغ ويجدد خلايا الجسم. في إيكاريا، تعتبر القيلولة المنتظمة من العادات التي تسهم في إطالة العمر وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب.

وجود هدف للحياة وشعور بالإنجاز
الشعور بالهدف في الحياة هو عنصر مشترك بين سكان المناطق الزرقاء. سواء كان ذلك من خلال العناية بالعائلة، العمل التطوعي، أو ممارسة هواية محببة، فإن امتلاك دافع للاستيقاظ كل يوم يضفي معنى على الحياة، مما يقلل من مستويات التوتر ويحافظ على النشاط الذهني. في اليابان، يُعرف هذا المفهوم بـ"إيكيغاي"، وهو الشعور بالرضا من خلال تحقيق الغايات الشخصية والمساهمة في المجتمع.

البساطة والامتنان للحياة
لا يعيش هؤلاء الأشخاص في سباق مع الزمن، بل يتبنون أسلوب حياة بسيط يركز على الأشياء التي تجلب لهم السعادة الحقيقية. يقدّرون اللحظات الجميلة، يمارسون الامتنان يوميًا، ولا ينشغلون بالماديات أو الضغوط غير الضرورية، مما يساعد في تقليل مستويات القلق وتعزيز الرفاهية النفسية.

ليس سر العمر الطويل والصحة الجيدة حكرًا على سكان المناطق الزرقاء فقط، بل هو أسلوب حياة يمكن لأي شخص تبنيه. من خلال تناول طعام طبيعي وصحي، التحرك بشكل مستمر، بناء علاقات اجتماعية قوية، والعيش بإيجابية، يمكننا جميعًا أن نقترب خطوة من أسلوب حياة هؤلاء المعمّرين ونستمتع بحياة أطول وأكثر صحة.



شريط الأخبار