د. عبدالله المدني
بعد أن انفض العرس الانتخابي المبكر في كوريا الجنوبية بانتخاب «لي جاي ميونغ» رئيساً للبلاد خلفاً للرئيس «يون سوك يول» الذي عزله القضاء بسبب إعلانه الأحكام العرفية في البلاد دون مسوغ قانوني في منتصف يناير 2025، يثار سؤالين: هل سينتهي الانقسام السياسي الحاد في البلاد بانتخاب ميونغ أم سيزيده اشتعالاً؟، وكيف سيتصرف العهد الجديد حيال علاقاته الخارجية، خصوصاً مع بكين وواشنطن وبيونغيانغ؟
لقد جرت الانتخابات وسط استقطابات وتجاذبات وفوضى سياسية حادة لم تشهد البلاد لها مثيلاً منذ الخلاص من الديكتاتورية العسكرية وتدشين الديمقراطية التعددية.
وتنافس فيها مرشحان رئيسيان هما «لي جاي ميونغ» كمرشح عن الحزب الديمقراطي، و«كيم مون سو» كمرشح عن حزب سلطة الشعب (الحزب الذي خرج من السلطة بخروج الرئيس المعزول).
وكما كان متوقعاً، فاز ميونغ مستفيداً من عاملين هما: الحملة الشعبية ضد الرئيس المعزول لتمرده على الديمقراطية، وبالتالي ضد حزب سلطة الشعب ومرشحه أولاً، ثم تعاون وتضامن القوى اليسارية المتهمة بالتعاطف مع بيونغيانغ وبكين، وهي القوى التي توجس منها الرئيس المعزول واتهمها بالانحياز للأعداء واتخذ من توجهاتها مبرراً لإعلان الأحكام العرفية.
يصف الحزب الديمقراطي الفائز نفسه بأنه حزب وسطي ليبرالي التوجه، لكنه يساري في تكوينه وتوجهاته وتحالفاته، بدليل أن مرشحه الفائز كثيراً ما تميزت خطبه وشعاراته بوعود من تلك التي لا يتبناها سوى اليساريين مثل: حقوق العمال، والعدالة الاجتماعية، وزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى، هذا ناهيك عن تبنيه مواقف مهادنة من الصين وكوريا الشمالية، ووصفه الولايات المتحدة ذات مرة بالدولة المحتلة، بل وقيامه عندما كان عمدة لمقاطعة جيونجي بإرسال 8 ملايين دولار لدعم حكومة بيونغيانغ.
أما حزب سلطة الشعب الخاسر، فهو حزب يميني محافظ، يشهد على ذلك أن زعيمه المطاح به «يون سوك يول» تبنى خلال زعامته للبلاد بين عامي 2022 و 2024، سياسات تصادمية مع الصين وكوريا الشمالية تمثلت في تخليه عن الحوار مع الشطر الشمالي ونشر معلومات حول ما يجري هناك من جور وظلم وتجويع، وانحيازه التام للسياسات الأمريكية فيما يتعلق بمحاصرة الصين واحتوائها.
غير أن محللين كثراً يرون عدم وجود فوارق جوهرية بين الحزبين بصفة عامة فيما يتعلق بسياساتهما الخارجية، وإن وجدت فهي ضئيلة أو تتطلبها الأجواء الانتخابية لحشد المؤيدين فقط.
والدليل هو أن كليهما، رغم كل مواقفهما السياسية المتباينة، لا يستطيعان التخلي عن، أو حتى مجرد التفكير في، معاداة الولايات المتحدة.
فالرئيس المنتخب «لي جاي ميونغ» مثلاً أكد بأنه إذا اضطر للاختيار بين واشنطن وبكين، فسوف يعطي الأولوية للتحالف مع واشنطن، مضيفاً أنه سيسعى إلى سياسة براغماتية هدفها تحسين العلاقات مع بكين وبيونغيانغ لكن ضمن إطار التحالف مع واشنطن.
وخلال الحملات الانتخابية للمرشحين ميونغ وكيم لوحظ أن كليهما تعهدا بتعميق التحالف مع واشنطن، مؤكدين أن ذلك يمثل حجر الزاوية في سياسة سيئول الخارجية، ووعدا بالاستثمار أكثر في قدرات البلاد الدفاعية مع تعزيز الردع المشترك مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديد النووي المتزايد من جانب بيونغيانغ، كما أيدا التعاون الاستراتيجي الثلاثي بين بلادهما والولايات المتحدة واليابان.
في اعتقادنا أن المردود الحقيقي لنتائج الانتخابات المبكرة الأخيرة في كوريا الجنوبية يتمثل في انتهاء فوضى سياسية أربكت البلاد لبعض الوقت، وعودة ثقة المجتمع الدولي في نظامها السياسي، وفتح الطريق أمام تهدئة التوترات الإقليمية عن طريق إتباع سياسات خارجية أكثر توازناً دون المساس بالعلاقات التحالفية مع واشنطن.
لكن هناك تحديات داخلية أمام العهد الجديد تتطلب سرعة الحل وهي: استعادة ثقة الشعب في مؤسساته الحكومية، ومعالجة الانقسامات السياسية داخل المجتمع (مهمة صعبة للغاية في ظل مخاوف الكثيرين من تزايد سطوة اليسار على مقاليد الأمور واحتمال تحول البلاد إلى بلد الحزب الواحد)، والتعامل مع القضايا القانونية المعلقة بروح متسامحة.