«الستات ما يعرفوش يكدبوا»

علي عبيد الهاملي
الفضيحة التي تفجرت في مصر مؤخراً حول سرقة مقدمة برامج عدداً من اللوحات الفنية ونسبتها إلى نفسها، تعيد إلى الواجهة من جديد موضوع السرقات الفنية والأدبية التي ظننا أنها اختفت في عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي، الذي أصبح بإمكانه أن يكشف السرقات، وينسب الأعمال إلى أصحابها الأصليين.
ولكن يبدو أن البعض مازال يعيش في الماضي، ويعتقد أن من الصعب اكتشاف سرقته لعمل إبداعي، سواء كان هذا العمل لوحة تشكيلية، أو صورة فوتوغرافية، أو قصة، أو رواية، أو كتاباً، أو مقالاً. والأمر ينطبق على سرقة الأبحاث العلمية والدراسات، ورسائل الماجستير والدكتوراه.

الفضيحة تفجرت في أعقاب لقاء أجرته المذيعة منى الشاذلي مع مها الصغير في برنامج «معكم» على قناة «أون» المصرية، تحدثت فيه مها عن موضوعات عدة، وكان من ضمن ما قالت إنها فنانة تشكيلية تمارس الرسم، وعرضت أثناء اللقاء عددًا من اللوحات التي ادعت أنها من رسمها.
المفاجأة جاءت عندما أعلنت الرسامة الدانماركية ليزا لاش نيلسن أن عددًا من الأشخاص أرسلوا لها مقاطع فيديو من برنامج باللغة العربية، وقالت خلال لقاء أجراه معها برنامج «تفاعلكم» على قناة «العربية» إنها لم تتمكن من فهم محتوى الفيديوهات لعدم إجادتها اللغة العربية.
فاستعانت بأصدقائها لترجمة الفيديوهات، لتكتشف أن مها الصغير سرقت لوحة رسمتها عام 2019م، واستُخدمت غلافًا لأحد الكتب، ونسبتها لنفسها. ثم كانت الصدمة الأكبر اكتشاف أن اللوحات الأخرى التي تم عرضها أثناء اللقاء كانت لفنانين من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا.

مها الصغير أصدرت بياناً اعترفت فيه بسرقتها للرسومات، وقالت إنها ارتكبت خطأ في حق الفنانة الدانماركية والفنانين الآخرين الذين نسبت أعمالهم لها، وأضافت أنها أخطأت أيضاً في حق المنبر الإعلامي الذي تحدثت من خلاله عن تلك الأعمال.
وشددت على أنها أخطأت في حق نفسها، واعترفت بأن معاناتها من أصعب ظرف في حياتها، وهو طلاقها من الفنان أحمد السقا، لا تبرر الخطأ.

الموضوع ما زال متفاعلاً على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، والاعتذارات ما زالت تتوالى من قبل عدد كبير من المصريين الذين أبدوا للفنانة الدانماركية استنكارهم، وعبروا عن أسفهم لما حدث، ودشنوا حملة أطلقوا عليها «إحنا آسفين يا ليزا».
«الفنانون الجيدون يقلدون، أما العظماء فيسرقون». هذه المقولة، التي ربما تأتي في سياق السخرية، تنسب للفنان الإسباني الشهير بابلو بيكاسو، الذي لم يُخفِ يوماً تأثره بفنون الحضارات الإفريقية.
وإن كان البعض قد اعتبر استخدامه للعناصر الإفريقية نوعاً من الاستحواذ الثقافي أكثر منه إعجاباً. أما أشهر قضايا السرقات الأدبية فهي الاتهامات التي طالت الكاتب الأمريكي دان براون بعد صدور روايته الشهيرة «شيفرة دافنشي».

فقد رفع مؤلفو كتاب Holy Blood, Holy Grail دعوى ضده، متهمين إياه بسرقة الفكرة الأساسية لروايته من كتابهم، لكن المحكمة رفضت الدعوى.

وفي العالم العربي دارت معركة أدبية حول الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، عندما اتُهم في بداياته بنقل مقاطع من شعر الشاعر الإنجليزي إليوت. لكن مع مرور الوقت، غدت تجربة السياب نموذجًا للتحول من التأثر إلى التفرّد.

وفي السينما، واجه المخرج الأمريكي «كوينتن تارانتينو» اتهامات متكررة بنقل مشاهد وأفكار كاملة من أفلام آسيوية قديمة، لكن محبيه رأوا في ذلك نوعًا من «التحية السينمائية» لتلك الأعمال، لا سرقة لها!

السرقات الأدبية والفنية ليست ظاهرة حديثة، بل تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ الثقافي، لكن ما تغيّر هو الوعي العام ووسائل الرصد، فقد بات من السهل اكتشاف الانتحال بفضل التكنولوجيا، وصار من الصعب الإفلات من محكمة النقد والجمهور. ويبقى احترام الملكية الفكرية هو البوصلة الأخلاقية لكل من يسير في دروب الفن والإبداع والكلمة.
أحدث الاتهامات التي وُجهت لمها الصغير، بعد أن اعترفت بسرقة اللوحات، جاء في منشور على منصة «إنستغرام» قال صاحبه إنها نسخت تصميمات خاصة به، واستخدمتها تجاريًا، دون إذن، على منتجات كالحقائب والملابس، علمًا بأن مها الصغير تطرح نفسها مصممة حقائب وملابس أيضًا.
المفارقة هي أن مها كانت في وقتٍ من الأوقات ضمن فريق تقديم برنامج «الستات ما يعرفوش يكدبوا» على قناة «سي بي سي» المصرية، فكيف حدث ما حدث؟!



شريط الأخبار