أ.د. محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء
القائد الفريد هو قائد يرى ما لا يراه الآخرون، ويمتلك طاقة فريدة في تحويل الأحلام مهما كانت صعبة إلى حقائق، ولو قيل قبل عقود لشخص يمتلك طاقة خياليّة جبّارة إنّ دبي ستكون على ما هي عليه الآن لربما ظنّ ذلك ضرباً من الخيال.
لكنّ هناك قائداً كان يرى كلّ ما تحقّق بعين بصيرته وظلال أحلامه، لم يعرف التراجع خلال عقود عديدة عن خوض أكبر معركة في الحياة كان هو قد حدّد مجالها، واستشرف نتائجها.
وبذل أعظم الجهد في سبيل قطف ثمراتها، ذلكم هو القائد الفذّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ذلك الرجل الذي آمن بوطنه الإمارات وطناً يستحقّ كلّ بذلٍ وعطاء، وآمن بأن إنسان هذا الوطن قادر على تحقيق المستحيل، فكانت هذه السيرة العطرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في البناء والإنجاز التي تلوح معالمها في كلّ ركنٍ وزاوية من زوايا الوطن وأركانه.
إنّ الوطن الذي أحبّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو الوطن الذي يحتفي بذكرى مولد سموه عام 1949، وإنّ الشعب الذي أحبّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو ذلك الشعب الوفيّ الذي يجدّد له البيعة والوفاء، وإنّ سيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وكلماته وكتاباته وتأمّلاته هي النبراس الذي يضيء الطريق أمام الأجيال التي تواصل السير في طريق البناء والإنجاز.
فشخصيّة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هي شخصيّة ملهمة وذات عطاء استثنائيّ تستحقّ الدراسة والتأمّل واستلهام الرؤى العميقة التي كانت وراء كلّ هذه الإنجازات المذهلة التي جعلت من هذا الوطن وطناً نُفاخر به الدنيا، ونسعدُ بالعيش في ظلاله في أمن وسعادة وسلام.
في ظلال هذه المناسبة السعيدة، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو في غاية الإبداع والروعة تضمّن مجموعة من الحكم لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، التفت فيها القلب إلى ذلك الماضي الجميل مصحوباً ذلك بصوت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الوقور وبعض الصُّور الجميلة التي تحكي مسيرة إعمار الوطن مع رفاق الدّرب وطبيعة التحدّيات التي واجهت المسيرة الطويلة لسموه، وحجم التصميم الذي كان يتمتّع به في وجه جميع العقبات، لتكون هذه التغريدة الرائعة خير تعبير عن مشاعر الجمال والغبطة التي تكتنف هذا الوطن السعيد بقادته وشعبه.
«نحن لا ننتظر الأحداث، نحن نصنع الأحداث» تلخّص هذه العبارة المكثّفة من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، جوهر الرؤية العميقة لمسيرة الدولة عبر أكثر من نصف قرن، وهي عبارةٌ تعكس روح الشجاعة وامتلاك زمام المبادرة التي تميّزت بها قيادة الدولة في جميع مستوياتها وأماكن عملها، وتلخّص هذه العبارة الدقيقة حكمة عميقة في الثقافة الإنسانية تقول:
إنّ الإنسان العاجز هو الذي ينتظر انهيار الظروف السيئة من تلقاء نفسها، لكن الإنسان القويّ الشجاع هو الذي يقوم بتغيير هذه الظروف وخلق ظروف تليق بشجاعة الإنسان وقدرته على تغيير واقعه نحو الأفضل على المستوى الفردي والجماعي، سواء بسواء.
رادار فكري يصور لي مضى زامي
في حندس الليل يوم ارتاح غافيها
يوم الخلايا تنام وفكرها نامي
حرام عيني لذيذ النوم يعفيها
في هذا المقطع الشعري الجميل من الفيديو يعود صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى ذلك الماضي الجميل الذي يحتفظ به في ملفّات الذاكرة مثل رادارٍ لا يمكن أن يغافله شيء، فهو شديد التيقّظ لكلّ تلك اللحظات بكلّ ما فيها من تحدّيات حين كان سموه وفرق العمل العاملة معه من أبناء الوطن يصلون الليل بالنهار، لنهضة الوطن.
«لا نجاح مع الخوف، ولا خوف مع النجاح. ودائماً هناك فرقٌ بين من يحلم ومن يعمل، الهدف واضح، والطريق ممهّد، والساعة تدقّ، لا مجال للتردّد، الكثير يتكلم، ونحن ننجز» في هذا المقطع من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تعلو نبرة التأكيد الجازم على أنّ الشجاعة في اتخاذ القرار هي السبب الحقيقي وراء كل نجاح.
وأنّ الضمانة الحقيقية للنّجاح هي التخلّص من مشاعر الخوف والتردد، فأسوأ قرارٍ للإنسان هو ألا يكون صاحب قرار، وفي هذا السياق الحازم يفرّق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وعلى نحو لا يحتمل اللبس بين الأحلام التي تصنع الأمجاد، وبين الأحلام التي لا تزيد عن كونها أمنيات وهواجس تموج في النفس، فالعمل الجادّ هو الذي يجعل الأحلام حقيقة، لا سيّما وأنّ الطريق ممهّدٌ بوضع جميع الخطط المدروسة بعناية.
والهدفُ واضحٌ يحتاج إلى السواعد القوية لتحقيقه، والسّاعة لا تنتظر الكسالى، بل هي تدقّ لتستنهض الهمم وتشحذ العزائم، والتردّد هو العقبة الكبرى أمام أيّة نهضة، فلا مجال للتردّد، وإذا كان هناك الكثير من الناس من يُتقن فنّ الكلام بلا فعل، فإنّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يتكلّم بلغة الإنجاز التي تضع النقاط على الحروف، وتكون خير شاهد على حقيقة البذل والعطاء.
«كثيرٌ من الناس قالوا: إنّ تطوّر دبي هو مثل البالونة، وكانوا ينتظرون أنّ هالبالونة تنفجر، فصبروا وصبروا وصبروا، ولما شافوها تكْبُر صاروا يركضون وراها».
وكمثالٍ تطبيقيّ على الفرق بين الحُلُم الفارغ والفعل الجادّ، تحدّث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن مسيرة دبيّ في الإبداع والإنجاز، وكيف أنّ كثيراً من النّاس كانوا ينظرون إلى مسيرتها في التطور والبناء بعين الشكّ والريبة ومشاعر التوجّس التي تقترب من حدود السخرية حين وصفوا مسيرتها بأنها تشبه البالونة التي ستنفجر في لحظةٍ ما.
ويكون كلّ ما فيها لا يزيد عن كونه هواءً لا قيمة له، لكن مسيرة دبي التي فاجأت الجميع، كانت على النقيض من توقّعاتهم، فلم يلبثوا بعد صبر طويل وترقّب ماكر أن اعترفوا بضخامة المنجز الحضاري لهذه المدينة الزاهرة، وأصبحوا من الراكضين في غبارها وهي تغذُّ السير نحو أهدافها دون تراجعٍ أو نكوص.
«بتوفيق الله سننجح وسنحافظ على مكانتنا في المقدمة، حملت حلمي طول حياتي، والقليل القليل اللي أنجزناه، والكثير في الطريق إن شاء الله». ثمّ كانت هذه الخاتمة الرائعة المتوهّجة بمشاعر التفاؤل والأمل، فالمسيرة تسير بكل ثقةٍ واقتدار كما هو مخطّط لها بعون الله، ومكانة الوطن ستبقى في المقدمة، وما تم إنجازه في نظر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو القليل القليل، لكنّ الخير الوافر والإنجاز الأكبر هو ما ستشهده الأيّام القادمة لتظلّ هذه البلاد هي بلاد الخير والوفرة والبناء والإنجاز.