نتنياهو .. وخريطة إسرائيل الكبرى

عماد الدين حسين
«أشعر بارتباط قوي برؤية إسرائيل الكبرى وأعتبرها مهمة تاريخية وروحية تشترك فيها أجيال اليهود الماضية والحاضرة والمستقبلية، وكل جيل يسلم المهمة إلى الجيل اليهودي التالي».
هذه العبارة شديدة الخطورة قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في حوار مع المذيع الإسرائيلي والنائب اليميني السابق، شارون جال منتصف الأسبوع الماضي.

المذيع وبعد أن سمع هذه العبارة خاطب رئيس الوزراء، وقال له إنه يريد أن يقدم له هدية وكانت عبارة عن «خريطة إسرائيل الكبرى»، وبعدها كرر نتنياهو حلمه أو التزامه بهذه الخريطة.

عدد كبير من العرب لم يكن يصدق فكرة «إسرائيل الكبرى» وكان يعتبرها إما مجرد مبالغات من المتطرفين العرب، أو مجرد أحلام لفئات قليلة من المتطرفين الإسرائيليين،.
لكن أن يقولها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنفسه وفي هذا التوقيت فهنا تكمن المشكلة، وهنا يمكن فهم ردود الأفعال العربية الشديدة، وخصوصاً من مصر والأردن ومجلس التعاون الخليجي.

ولكن ما هي خريطة إسرائيل الكبرى التي أثارت كل هذا القدر من الجدل في المنطقة؟
هذا المصطلح أو «أرض إسرائيل الكاملة»، حسب التفسير التوراتي تمتد من نهر النيل في مصر، إلى نهر الفرات في العراق، وبالتالي تشمل كل المنطقة الواقعة بين النهرين.
وطبقاً للتفسيرات الإسرائيلية الحديثة، فإن هذه الخريطة تشمل كل فلسطين الحالية وكل الأردن ولبنان وسوريا وأجزاء من العراق ومصر والجزيرة العربية.

وحتى سبتمبر 2023 كان مفهوم إسرائيل الكبرى يكاد يكون محصوراً في كتابات وأفكار غلاة المتطرفين الصهاينة، وخصوصاً بعد اتفاق أوسلو عام 1993 الذي جعل إسرائيل تتحدث أحياناً عن عزم ممانعتها في فكرة حل الدولتين حتى لو كان الكلام نظرياً ومجرد كلام بلا أي أساس على الأرض.. لكن في منتصف سبتمبر 2023 أي قبل عملية طوفان الأقصى بثلاثة أسابيع تقريباً، وقف نتنياهو يخطب في الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرض خريطة تظهر الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن حدود إسرائيل، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتخلى فيها إسرائيل علناً عن حل الدولتين.
في سبتمبر 2024 وبعد لحظات من اغتيال الجيش الإسرائيلي أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، قال نتنياهو: حان الآن موعد بدء رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، ثم كرر هذه العبارة أكثر من مرة، وخصوصاً بعد إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا في 8 ديسمبر الماضي، ثم بعد العملية النوعية ضد المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية في يونيو الماضي.

ولكن قد يسأل البعض، وما هو الجديد في تصريحات نتنياهو الأخيرة، وخصوصاً أنها تتكرر بصورة أو بأخرى منذ زمن طويل حتى قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948؟!

الإجابة ببساطة أن الخطورة الآن تنبع من أن هذه ليست مجرد تصريحات رجل دين يهودي أو متطرف يميني، أو إعلامي إسرائيلي، يريدون بها دغدغة مشاعر اليمين الديني المتطرف، لكن الخطورة أن الذي يقولها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه، والأكثر خطورة أن مجمل السلوك والتحرك الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 يتضمن خطوات عملية لتنفيذ هذه الأحلام والتمنيات على أرض الواقع.. فحينما تواصل إسرائيل تدمير قطاع غزة، وتعلن رسمياً أنها تجري مفاوضات مع دول بعينها لتهجير الفلسطينيين إليها، وعندما تواصل تهويد الضفة، واحتلال المزيد من الأراضي السورية وعدم الانسحاب من جنوب لبنان، وقصف إيران والتحرش بمصر، فهذا ليس مجرد تصعيد لفظي لإرضاء المتطرفين، أما جوهر الخطورة فهو أن المتطرفين هم الذين يحكمون إسرائيل فعلياً الآن.
حسناً جاءت ردود الفعل العربية، وخصوصاً إدانة الخارجية المصرية لتصريحات نتنياهو، وطلبها إيضاحات لمعنى هذه التصريحات مؤكدة أنه لا حل إلا بإقامة دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967.
وأصدرت وزارة الخارجية الإماراتية، بياناً شديد اللهجة عبرت فيه عن إدانتها واستنكارها بأشد العبارات تصريحات نتنياهو، واعتبرتها تعدياً سافراً على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وأكدت الخارجية الإماراتية، الرفض القاطع لأي تهديد لسيادة الدول العربية الشقيقة، ودعت إلى ضرورة توقف متطرفي الحكومة الإسرائيلية عن إطلاق التصريحات أو القيام بأعمال تحريضية، وكذلك وجوب وقف كل الخطط الاستيطانية والتوسعية التي تهدد الاستقرار الإقليمي، وتقوّض فرص السلام والتعايش في المنطقة وبين شعوبها.
وفي تدوينة على منصة «إكس»، وصف معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، تصريحات نتنياهو بأنها تمثل خطاباً متطرفاً وعنجهياً طالما دفعت المنطقة وشعوبها ثمنه.

وقال أيضاً: «أي استفزاز هذا؟ وأي مصلحة ترتجى من هذا الخطاب التحريضي؟ وإلى متى سيتحكم التطرف والمتطرفون بمستقبل المنطقة عبر خطاب الإلغاء والتهميش؟» نفس الموقف القوي اتخذه مجلس التعاون الخليجي على لسان أمينه العام، جاسم البديوي، الذي اعتبر تصريحات نتنياهو انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وتهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في المنطقة.

السعودية دانت بأشد العبارات هذه التصريحات وأكدت رفضها التام للأفكار والمشاريع الاستيطانية والتوسعية.

الأردن اعتبر التصريحات عبثية وتحريضية ولن تنال من الأردن أو الدول العربية.

وبالطبع تكرر نفس الموقف الرافض من غالبية الدول العربية ومن جامعة الدول العربية.

ما سبق مواقف عربية جيدة، وتحتاج للمزيد من التنسيق حتى تصل رسالة واضحة لأمريكا وإسرائيل بأن العرب لن يقبلوا بخريطة نتنياهو.



شريط الأخبار