ما يغيب عن الطرفين في موسكو وكييف

سليمان جودة
يظل منصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية، أقرب إلى المنصب الشرفي منه إلى أي منصب آخر، ورغم أن الناخب الأمريكي ينتخب الرئيس ونائبه في بطاقة انتخابية واحدة إلا أن الصلاحيات كلها تبقى للرئيس لا لنائب الرئيس.. وهذا ينطبق على جي دي فانس، نائب الرئيس ترامب، كما انطبق من قبل على كل نائب جاء في مكان جي دي فانس.
وهناك حالات في تاريخ بلاد العم سام انقلب فيها نائب الرئيس من رجل بلا صلاحيات تذكر، إلى رجل في يده كل الصلاحيات، وقد كان ذلك بالطبع عندما انتقل النائب من موقعه كنائب إلى موقع الرئيس بشكل مباشر، فالدستور الأمريكي يقول إن على نائب الرئيس أن يحل مكان الرئيس تلقائياً، إذا خلا موقع الرئاسة لأي سبب، ويتم ذلك دون انتخابات، وهذا مفهوم طبعاً لأن النائب قد جرى انتخابه من قبل، ولا داعي بالتالي إلى إعادة انتخابه من جديد.
صحيح أن الناخب اختاره نائباً لا رئيساً، ولكن هذا أمر آخر، لأن الناخب وهو ينتخبه نائباً كان يعلم مسبقاً أنه أي هذا الرجل المنتخب نائباً لساكن البيت الأبيض، يمكن أن يصبح رئيساً في أي لحظة وبغير مقدمات.
حدث مثلاً أن تقدم النائب جيرالد فورد، ليحل محل الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي استقال في مثل هذا الشهر من عام 1974 بسبب فضيحة ووترجيت الشهيرة.

لقد أكمل فورد فترة نيكسون الرئاسية، ونقلت عنه صحيفة واشنطن بوست وقتها مانشيت بعرض الصفحة الأولى يقول فيه ما معناه إن هذه الصحيفة هي التي جاءت به رئيساً.

ومن المعروف أن واشنطن بوست هي التي قادت حملة من التحقيقات الصحافية في قضية ووترجيت بما أدى إلى إدانة نيكسون واستقالته في النهاية.

وفي نوفمبر 1963 جرى اغتيال الرئيس جون كيندي في مدينة دالاس الأمريكية، فتقدم نائبه ليندون جونسون ليتولى منصب الرئيس، بل إن النائب جونسون أدى اليمين الدستورية على الطائرة في طريق عودته من دالاس إلى واشنطن العاصمة.
هاتان هما الحالتان الأشهر في الموضوع، وفيهما رأينا كيف تحوّل نائب الرئيس من رجل لا يملك شيئاً من الصلاحيات تذكر إلى رجل يملك الصلاحيات كلها، والحالتان كانتا مع رئيسين من أشهر رؤساء الولايات المتحدة.
أما مناسبة هذه المقدمة التي طالت قليلاً فهي أن دي فانس أطلق تصريحاً مهماً جداً قبل أيام في شأن الحرب الروسية الأوكرانية، وإذا شئنا قلنا أنه ربما يكون التصريح الأهم أو الأكثر عملية في هذه الحرب التي أكملت عامها الثالث في الرابع والعشرين من فبراير الماضي ودخلت عامها الرابع.
تكلم نائب الرئيس الأمريكي مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، فقال: إن أي اتفاق لوقف الحرب الروسية الأوكرانية لن يسعد أياً من البلدين المتحاربين، والمعنى أن كل طرف من الطرفين المتقاتلين سيكون عليه أن يقدم تنازلات.
ولو أن كل طرف منهما وضع هذه القاعدة أمامه منذ انطلقت مبادرات كثيرة لوقف الحرب لكانت قد توقفت منذ زمن وما كانت قد دارت رحاها كل هذه السنوات، ولكن المشكلة كانت ولا تزال أن كل طرف يريد الخروج من الحرب منتصراً بنسبة مئة في المئة، وهذا عملياً غير ممكن وغير مقبول وغير جائز بمنطق الدول المتحاربة.
لقد انطلقت مبادرات عدة لوقف هذه الحرب العبثية، ولكن بلا جدوى ودون فائدة، وكلها ذهبت أدراج الرياح، كانت هناك مبادرة شهيرة أطلقها بابا الفاتيكان السابق، ومن بعدها جاءت مبادرة صينية، ومن بعدهما جاءت مبادرات ومبادرات، وكلها كان من الممكن جداً أن تنجح، لولا أن هذا المعنى الكامن في عبارة نائب الرئيس الأمريكي كان غائباً عن الطرفين.

لسنا الآن في وارد الحديث عمن أخطأ وعمن لم يخطئ في إطلاق الحرب، ولكننا نتحدث عن وقفها وعن أن ذلك يمثل ضرورة، وهذه الضرورة تقتضي من كل طرف في الحرب أن يذهب إلى مائدة البحث عن طريقة لوقف القتال، وهو مفتوح العقل والصدر معاً على عبارة نائب الرئيس الأمريكي، وإلا فإنها يمكن أن تدخل عامها الخامس في الرابع والعشرين من فبراير المقبل، فتصبح مرشحة لأن تنافس الحربين العالميتين الأولى والثانية في طولهما الذي أدمى النصف الأول من القرن العشرين.



شريط الأخبار