عمر عبيد غباش
في مطلع القرن السادس عشر، بدأ البرتغاليون يتوغلون في مياه الخليج العربي، ضمن حملة استعمارية بحرية شرسة، استهدفت السيطرة على طرق التجارة بين الهند والشرق الأوسط. فبعد احتلالهم لميناء هرمز عام 1507، بقيادة أفونسو دي ألبوكيرك، انطلقت حملاتهم لتطويع المدن والموانئ الساحلية في الخليج العربي، مستخدمين أقسى وسائل البطش والإبادة.كان الاحتلال البرتغالي للخليج احتلالاً وحشياً بامتياز، حيث ارتكب البرتغاليون مذابح مروعة، إذ دمرت أساطيلهم قرى بكاملها على شواطئ الفجيرة وخورفكان ودبا، وامتدت المجازر إلى شاطئ رأس الخيمة، كما أحرقوا البيوت، ونهبوا السفن، وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، دون تمييز، في سعي لترويع السكان وكسر إرادتهم.
لكن، وعلى سواحل الخليج العربي، بدأت تظهر ملامح مقاومة عربية شرسة، كان في طليعتها قبائل ساحل الخليج العربي، وعلى وجه الخصوص القواسم، الذين لعبوا دوراً محورياً في التصدي للغزو البرتغالي. فقد اعتمد القواسم على أسطول بحري محلي قوي، واستفادوا من الطبيعة الجغرافية الوعرة لسواحلهم، ليشنوا هجمات مضادة، أوقعت بالبرتغاليين خسائر فادحة.
تحولت رأس الخيمة، مع الوقت، إلى مركز رئيس للمقاومة البحرية ضد المحتل، حيث أطلقت منها قبيلة القواسم حملات لقطع خطوط الإمداد البرتغالية، واستهداف الحاميات في البحر.
كما تحالف القواسم مع قبائل عربية أخرى في الساحل، ما شكل شبكة مقاومة عربية واسعة، أجبرت البرتغاليين على إعادة حساباتهم.
ورغم استمرار الاحتلال لأكثر من قرن ونصف، فإنه لم يُخلّف أي إرث حضاري يُذكر، بل اقتصر وجوده على القلاع العسكرية والمراكز الجمركية، التي كانت أدوات للقمع والاستغلال. فالبرتغاليون لم يؤسسوا مدارس، ولم ينشروا علماً، ولم يسهموا في أي شكل من أشكال التطوير العمراني أو الثقافي في الخليج.
انتهى الاحتلال البرتغالي رسمياً في الخليج عام 1650، بطردهم من عمان، ثم توالت هزائمهم، وتراجع نفوذهم، في ظل تصاعد الحراك المقاوم، خاصة من قبائل المنطقة الذين دافعوا عن أوطانهم، وأعادوا رسم معالم السيادة على مياههم.
إن ما قام به القواسم وغيرهم من قبائل ساحل الخليج العربي، ليس مجرد دفاع عن الأرض، بل هو تاريخ من البطولة الشعبية التي وقفت في وجه واحدة من أعتى القوى الاستعمارية في التاريخ، ونجحت في حماية الهوية والسيادة الخليجية من الذوبان تحت نيران الغزاة.