هل انقلبت واشنطن على نيودلهي؟

د. عبدالله المدني

كثرت الأسئلة أخيراً عما إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنوي التخلي عن الهند كحليف استراتيجي في آسيا لصالح العودة لتحالفاتها التاريخية القديمة مع باكستان.
حدث هذا في أعقاب قرار ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 19% على واردات بلاده من باكستان، وبنسبة 25% على الواردات من الهند، مع تهديد نيودلهي برفع الرسوم إلى 50% في حال استمرارها بشراء النفط الروسي الرخيص (تستورد الهند نحو 45% من حاجتها من النفط الخام من روسيا).

والمستغرب هنا هو أن الهند برزت في السنوات الأخيرة كحليف موثوق للولايات المتحدة في سياسات الأخيرة الرامية للتصدي لنفوذ الصين في المحيطين الهندي والهادي، ناهيك عن أنها بدأت منذ سنوات شراء ما يقرب من نصف سلاحها من الولايات المتحدة بدلاً من الاعتماد الكلي على السلاح الروسي.
فضلاً عن اجتماعات القمة الحميمة المتكررة بين زعيمها ناريندرا مودي ونظرائه الأمريكيين. في هذا الوقت كانت باكستان ماضية في تحالفها الاستراتيجي العميق واعتمادها الكلي عسكرياً واقتصادياً على الصين، التي تعتبرها واشنطن منافسة وعامل تخريب وتوسع في العالم.

ومن هنا احتار المراقبون في فهم سياسات ترامب الأخيرة المنطوية على تهديد الهند في تجارتها واقتصادها ومعيشة مئات الملايين من عمالها وفلاحيها ومصدّريها (قال أحد المصادر إن حملة ترامب ضد الهند ستؤدي إلى فقدان الهند ميزة تنافسية في سلع بقيمة 64 مليار دولار تصدر إلى الولايات المتحدة.
وهي تمثل نحو 80% من إجمالي صادراتها إلى الأخيرة)، خصوصاً ونحن نتحدث عن منطقة جنوب آسيا المعقدة استراتيجياً والقابلة للانفجار في أي لحظة، حيث تتواجه 3 قوى نووية بينها عقود من النزاعات والخلافات والتوترات التاريخية.

في اعتقادنا أن الرئيس ترامب بهذه السياسات والضغوط على الهند سوف يخسر الكثير، لأنه سيجبر نيودلهي على اتخاذ خطوات تقرّبه من موسكو أكثر فأكثر، وربما تقرّبه من المحور الصيني ــ الروسي أيضاً، وبالتالي سيفقد حليفاً انخرط مبكراً في خططه لتحجيم الصعود الصيني، وقد يشمل هذا انسحابها من تحالف «قواد» الاستراتيجي المشكل من الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، لا تتمثل أهمية الهند بالنسبة لأمريكا في ثقلها كعامل توازن وتحجيم للصين فقط، وإنما أيضاً كقبلة للعديد من الشركات الأمريكية الكبرى، مثل «أبل» التي نقلت بعض عملياتها من الصين إلى بنغلور الهندية.
وفي هذا السياق علق الدبلوماسي الهندي المتقاعد «أتول كيشاب» قائلاً: «إن الشراكة التي أقامها قادتنا المنتخبون على مدى السنوات الـ25 الماضية تستحق الحفاظ عليها، لأنها حققت ازدهاراً كبيراً متبادلاً، وعززت مصالحنا الاستراتيجية المشتركة».

وفي اعتقادنا أيضاً أن السياسات الأمريكية المتسرعة والإشارات الخاطئة المبنية على سوء تقدير سياسي من قبل ترامب وإدارته ستفسد مفاوضات اتفاقية التجارة بين أمريكا (أول وأكبر اقتصاد في العالم)، والهند (خامس أكبر اقتصاديات العالم).
وهما اقتصادان تصل قيمة مبادلاتهما التجارية الثنائية إلى نحو 190 مليار دولار، وربما ستفسد أيضاً خطط نيودلهي لاستضافة قمة رباعية لتكتل «قواد»، كان من المقرر عقدها في وقت لاحق من العام الجاري بحضور ترامب.

لم تتمثل ردود الفعل الهندية على هذه المواقف الأمريكية منها على بيانات الاستنكار فقط، بل صاحبتها مكالمة هاتفية عاجلة بين مودي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وزيارة سريعة لمستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال إلى موسكو، واستعدادات لمشاركة مودي شخصياً في قمة شنغهاي التي ستعقد في الصين 31 أغسطس الجاري.
وذلك في أول زيارة له للصين منذ أكثر من سبع سنوات. وهذا التطور يعني تقارباً هندياً ــ صينياً نادراً، وتراجعاً لخلافات البلدين اللذين اشتبكا عسكرياً على طول حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا عام 2020.

إلى ذلك، وفي خطوة توحي بتدهور العلاقات الأمريكية الهندية أنكرت نيودلهي أي دور لواشنطن وترامب في وقف المناوشات والاحتكاكات العسكرية بينها وبين باكستان في إقليم كشمير المتنازع عليه في مايو الفائت.

ولئن فسر بعض المراقبين حملة ترامب على الهند بأنها ناجمة عن غضبه من استمرار الهند في دعم روسيا اقتصادياً من خلال مشترياتها النفطية الضخمة، فإن مراقبين آخرين فسروها على أنها عقاب لنيودلهي على انخراطها في تكتل بريكس وخططه الهادفة لاستبدال الدولار كعملة احتياطية عالمية، خصوصاً وأن العقاب الأمريكي هنا مشابه لعقاب أمريكا للبرازيل، العضو الآخر في «بريكس»، غير أن التفسير الثاني يثير سؤالاً مفاده:
لماذا لم يشن ترامب حتى الآن حرباً مماثلة على دول أخرى في «بريكس» مثل جنوب أفريقيا مثلاً؟، ولماذا هو ماضٍ في مفاوضاته مع الصين ويمدّد لها مهلة تعليق الرسوم، رغم علمه أن الأخيرة هي التي تقود «بريكس» وخططه؟



شريط الأخبار