ضياء رشوان
بعد نحو أعوام ستة من اندلاعها، وفي 8 مايو 1945، انتهت الحرب العالمية الثانية رسمياً في أوروبا، بعد استسلام ألمانيا النازية، ثم في آسيا والعالم في 2 سبتمبر من نفس العام، عقب استسلام اليابان.
وقبل النهايات الرسمية لهذه الحرب، شهدت مدينة يالطا السوفييتية حينئذ، في الفترة من 4 إلى 11 فبراير، المؤتمر الثلاثي الأهم، والذي رسم ملامح العالم لعقود طويلة تالية، بناء على نتائج هذه الحرب.
وبعد ثمانين عاماً من ذلك المؤتمر، الذي حضره قادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وبريطانيا، شهدت منذ أيام ولاية ألاسكا في الولايات المتحدة، وعلى بعد كيلومترات قليلة من الأراضي الروسية، اللقاء التاريخي الجديد، بين رئيسي البلدين، دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.
وهذه المرة كان الأمر يتعلق بصفة مباشرة وأساسية، بتلك الحرب الضروس التي تخوضها روسيا منذ قرابة الـ 4 سنوات، ضد جارتها الغربية أوكرانيا، والتي استولت خلالها على ما يقارب 20 % من أراضيها، ولا تزال تتقدم فيها.
وبدت هذه الحرب للعالم الغربي، وخصوصاً الشق الأوروبي منه، بمثابة كسر لكل القواعد التي أسفر عنها مؤتمر يالطا قبل ثمانين عاماً، وإنذاراً حقيقياً بتغيير القواعد الجيو- استراتيجية للأوضاع في القارة العجوز، بين شقها الغربي.
ممثلاً الآن في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وبين شقها الشرقي، ممثلاً في الاتحاد الروسي بكل مقوماته، وخصوصاً العسكرية والسياسية.
وشاء القدر أن تقسيم العالم، وخصوصاً الشمالي منه، غرباً وشرقاً، قد تم في مدينة يالطا الساحلية الواقعة على البحر الأسود في شبه جزيرة القرم، والتي كانت تابعة لأوكرانيا، حتى استيلاء روسيا عليها وضمها لها عام 2014، وذلك منذ عام 1954، بعد أن أهداها لها زعيم الاتحاد السوفييتي حينها، نيكيتا خروتشوف.
ويشاء نفس القدر، أن يكون سبب انعقاد قمة ألاسكا الثنائية، وما سيترتب عليها من نتائج حاسمة، هو ما يدور من حرب في أوكرانيا نفسها، والضم المتوالي من جانب روسيا لأجزاء من أراضيها، وأولها شبه جزيرة القرم، التي تقع فيها مدينة يالطا.
يبدو واضحاً من ملامح القمة الأمريكية – الروسية الأولى في هذه الظروف شديدة التعقيد والخطورة في القسم الشمالي من العالم، وعلى الرغم من عدم تسريب كل ما جرى عليه الاتفاق بين الطرفين فيها، أنها ستترك وراءها عالماً جديداً مختلفاً نوعياً عن عالم ما بعد مؤتمر يالطا.
وإذا كان تقسيم ألمانيا، وعاصمتها برلين، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، بين الحلفاء المنتصرين، هو النتيجة الرئيسة لمؤتمر يالطا، فضلاً عن تعديلات في أراضي بولندا، فإن المعنى الرئيس لهذا المؤتمر، كان هو القبول الأمريكي والبريطاني والغربي بالنفوذ المطلق لموسكو، عاصمة الاتحاد السوفييتي حينها، على شرقي ووسط شرقي أوروبا، ودمج هذا الاتحاد بشروطه في النظام الدولي، ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة، بمختلف هيئاتها ووكالاتها.
ويتشابه لقاء ألاسكا من هذه الزاوية في كثير من الجوانب، مع ما جرى في مؤتمر يالطا.. فالأرجح أن اتفاقاً تم بين الرئيسين الروسي والأمريكي على تسوية المسألة الأوكرانية، بنفس منهج تسوية المسألة الألمانية، أي التنازل عن أجزاء كبيرة من الأراضي الأوكرانية لصالح روسيا، والاعتراف الرسمي بهذا من جانب الجميع، وخصوصاً أوكرانيا نفسها، والحلفاء الأوربيين.
كما أن القبول المتوقع بمطالب موسكو بعدم مد نطاق حلف الناتو لدول أخرى مجاورة لبلدها، وخصوصاً أوكرانيا، والاكتفاء بما يسمى الضمانات الأمنية التي لا تمس شروط موسكو، ولا تهدد أراضيها، سواء الأصلية أو المضافة، بأي مخاطر مستقبلية، كل هذا يرسم قواعد استراتيجية جديدة مستقرة في القارة الأوروبية، قامت كلها على استخدام القوة، الذي قامت به روسيا عبر عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
كذلك، فإن المرجح والواضح، هو أن إعادة دمج روسيا في النظام الدولي بمختلف مستوياته، السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية، بقصد وجهد من إدارة الرئيس ترامب، ستكون هي النتيجة المباشرة السريعة لقمة ألاسكا، وهو ما يعيد العالم، ولو نسبياً، إلى حالة القطبية الثنائية، التي تلت الحرب العالمية الثانية، وإن ظل هذا على الصعيد الاستراتيجي والعسكري، وليس الاقتصادي، الذي ستظل الصين، وبعدها الهند، هما الدولتان الأكثر تأثيراً في مستقبله القريب والمتوسط.