حامد بن كرم
شكّل التراجع الإسرائيلي الأخير عن خطة ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية محطة سياسية فارقة في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي، هذا التراجع لم يكن وليد ضغوط عسكرية أو مواجهة ميدانية، بقدر ما جاء نتيجة لحسابات سياسية دقيقة، وضغوط دبلوماسية إماراتية مؤثرة على الساحتين الإقليمية والدولية.
فبنظرة متعمقة لتجربة غزة منذ الانسحاب الإسرائيلي عام 2005، وما تلاها من حروب كبرى أعوام
2008 - 2009، 2012، 2014، 2019، 2021، 2023، نجد أن الصراع المسلح الذي تتبناه بعض الفصائل لم يحقق مكاسب حقيقية لأشقائنا الفلسطينيين، بل على العكس، أدى إلى خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، ودمار كامل للبنية التحتية، واستمرار الحصار الذي عمّق معاناة السكان في قطاع غزة.
فقد برهنت هذه التجارب التاريخية أن المواجهة العسكرية لم تستطع إيقاف التوسع الاستيطاني ولم تقدر على تغيير التوازنات الاستراتيجية، وفي المقابل، نجد أن الذكاء السياسي والحنكة الدبلوماسية التي تبنتها دولة الإمارات منذ عام 2020، نجحت في تعطيل مشروع الضم الإسرائيلي الذي كان مقرراً تنفيذه في يوليو من ذلك العام؛ إذ أوصلت الإمارات، عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة، رسائل حازمة بأن الضم سيقوّض فرص أي اندماج إقليمي لإسرائيل ويهدد مصالحها الاقتصادية والسياسية، وبالفعل، أعلنت حكومة نتانياهو تعليق الخطة في أغسطس 2020، بالتزامن مع توقيع «الاتفاقيات الإبراهيمية» التي مثلت إطاراً جديداً لدعم الشعب الفلسطيني والتعامل مع القضية الفلسطينية بآليات غير تقليدية.
وها هو الموقف نفسه يتكرر؛ إذ نجحت مجدداً الحنكة السياسية الإماراتية وذكاء حكومتها الدبلوماسي في إيقاف المشروع الإسرائيلي لضم الضفة، ويعكس هذا التطور بوضوح تام قوة التأثير الإقليمي لدولة الإمارات، ويعيد إلى الأذهان سوابق تاريخية مشابهة، كقرار الجامعة العربية في قمة الخرطوم 1967 برفض التطبيع بعد حرب يونيو، والذي فرض عزلة سياسية على إسرائيل لسنوات طويلة.
لكن الفارق الآن – من وجهة نظري - أن دولة الإمارات اعتمدت مقاربة مختلفة قائمة على توظيف الذكاء الدبلوماسي والحنكة السياسية والقوة الناعمة والعلاقات الدولية تحقيقاً للأهداف الاستراتيجية والغايات السياسية والمكاسب الملموسة على أرض الواقع.
وختاماً أود أن أقول: إن السياسة الذكية يمكن أن تحقق ما يعجز عنه السلاح، والضغط الدبلوماسي والتحالفات الإقليمية قد يوفران حماية للأرض الفلسطينية ويفرضان معادلات جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما لم تستطع سنوات طويلة من الحروب أن تحققه، فتعطيل مشروع الضم لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل محطة تاريخية تثبت أن الدبلوماسية الإماراتية الفاعلة ستبقى أداة أساسية لصون الحقوق العربية.