د. موزة غباش
في فكر سموه أصبحت الزراعة لغة تعبر عن التلاقي بين القيم القديمة وروح الابتكارفي ذاكرة الوطن التي لا تمحى، يطلّ دائماً وجه المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، كالنور الذي زرع في الصحراء حياةً، وزرع في القلوب إيماناً لا يزول بأنّ الأرض التي تُروى بالعمل تثمر كرامةً واستقراراً، الذي رأى وأرشدنا أن في النخلة رمزاً للإنسان الإماراتي، تمتدّ جذورها في العمق وتفتح للعطاء ظلالاً من الرحمة والخير.
ومن هذا الإيمان وُلد مشروع المليون نخلة، كوعد بين الإنسان والأرض بأن يستمرّ العطاء ما دام في القلب نبض وفي السماء شمس.
الشيخ زايد، رحمه الله تعالى، كان يقرأ المستقبل بعينٍ ترى الحياة في كل حبّة رمل، فحوّل الصحراء إلى واحاتٍ خضراء، وجعل من النخلة شجرة الوطن الأولى.
فتحوّل مشروع المليون نخلة إلى رسالةٍ وطنية خالدة، تعلن أن كل نخلة تُزرع تولد بعدها ألف نخلة أخرى، وأن كل مليون نخلة تُثمر بحمد الله مليون نخلة جديدة كل عام، في دورةٍ من العطاء لا تنتهي، تُغذّي الأرض بالخصب وتغذّي الإنسان بالكرامة.
ومن هذه الفلسفة البسيطة والعميقة في آن، ترسّخت فكرة التنمية المستدامة التي تنبع من قلب التراث الإماراتي ذاته، لا من أوراق الخطط ولا من قاعات المؤتمرات.
وحين امتدّ الزمان، حمل سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان راية التنمية المستدامة بالروح نفسها التي حملها والده المؤسس، فكانت القيادة استمراراً للحكمة، والرؤية امتداداً للإيمان بأن الأرض مرآةُ الوطن.
فجعل من النخلة مختبراً للتنمية، ومن الزراعة علماً للمستقبل، ومن التراث الاقتصادي مدرسةً للسيادة الغذائية والاستدامة الوطنية.
في فكر سموه، أصبحت الزراعة لغةً تعبّر عن التلاقي بين القيم القديمة وروح الابتكار، وغدت النخلة عنده منظومة إنتاجٍ واقتصادٍ وحضارةٍ تمثل وجه الإمارات المشرق أمام العالم.
وبين غرس الشيخ زايد الأول وثمار الشيخ منصور المتجدّدة، نسجت الإمارات حكايتها مع الأرض، حكاية تبدأ ببذرة وتنتهي بظلٍّ من خيرٍ يعمّ الأجيال.
وقد بدأت بحثاً علمياً مؤخراً حول الاهتمام الكبير الذي يوليه سمو الشيخ منصور بن زايد عن الأمن الغذائي والزراعة وخاصة في مجال النخل والتمور، وجدت فيه أن سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان يقف في طليعة القادة الذين يرسمون ملامح الحاضر والمستقبل، فشخصيته تجمع بين عمق الفكر واتساع الرؤية، وتستند إلى مدرسة القيادة التي أرساها الوالد المؤسس، طيب الله ثراه، ويقودها نحو المستقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، فامتدّ أثره في كل قطاع حمل معنى البناء والتطوير.
ملامح تجربته القيادية تشكّل مرآة للقيم التي تأسّس عليها الكيان الاتحادي، وتعبّر عن نهجٍ يوازن بين الطموح الوطني والوعي الإنساني، وبين الإدارة الحديثة والجذور الأصيلة.
وجدت خلال البحث العلمي أن الشيخ منصور بن زايد يوجّه العمل الوطني بثقة وإيمان بالمستقبل، ويقود فرق العمل في مؤسسات الدولة بروح الفريق الواحد، فيعزّز مفهوم الشراكة بين الحكومة والمجتمع، ويرسّخ ثقافة الأداء القائم على المبادرة والمسؤولية، والمتابع لمسيرة سموه يرى مزيجاً متفرّداً بين العمل التنفيذي والدبلوماسية الاقتصادية، ففي توجيهاته تبرز ملامح قائدٍ يستقرئ المستقبل بعين المفكر ويخوض التنفيذ بعقل الإداري المتمرس، وقد ساهم ذلك في تعزيز موقع الإمارات على خريطة الاقتصاد العالمي من خلال دعم التنويع الاقتصادي وتطوير الاستثمارات السيادية التي تمثل رافعة رئيسة للنمو المستدام، فأصبحت المؤسسات التي يشرف عليها سموه نماذج في الأداء الاستراتيجي القائم على الكفاءة، ومراكز لصناعة القرار التنموي الذي يمتد أثره من أبوظبي إلى العالم.
تحت رعاية سموه تحوّلت فعاليات الزراعة إلى منصّات للابتكار، فتشهد دولة الإمارات، تحت رعاية سموه إطلاق مبادرات نوعية تعزّز إنتاج الغذاء المحلي وتفتح آفاقاً جديدة للاستثمار الزراعي.
منها على سبيل المثال، مهرجان التمور وجائزة التميز الزراعي الذي شكل مساحة تلتقي فيها الخبرة بالتقنية، وتبرز من خلالها القدرات الإماراتية في تطوير الإنتاج الزراعي بمفاهيم حديثة.
وهذه الجهود أسهمت في بناء بيئة زراعية توازن بين الاستدامة الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية، وهو ذات الأمر، لجميع الفعاليات الزراعية والمبادرات الوطنية المتعلقة بالنخل والتمور التي يرعاها سموه مثل: جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر، مهرجان الوثبة للتمور، مهرجان ليوا للرطب، ومعرض أبوظبي الدولي للتمور وغيرها.
حسب متابعتي وتحليلي، فإن الرؤية التي يحملها سمو الشيخ منصور بن زايد، تمثل نموذجاً متكاملاً في الفكر الإداري العالمي، لأنها تضع الإنسان في قلب كل مشروع، وتمنح للأرض قداسة التنمية، وللعمل روح الرسالة.
فالإمارات في نظره فضاء متجدّد يثمر بالجهد، وينمو بالمعرفة، ويزدهر بالعطاء.
ومن خلال هذا الإيمان الراسخ بالعمل تتقدّم مسيرة الوطن بثبات نحو مستقبل يفيض بالأمل والازدهار.
وللحديث بقية