الحرب ليست حلاً

محمد خلفان الصوافي

مشهد غير مسبوق سياسياً أن يتباهى مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر عطا، ويعلن أمام الرأي العام العالمي عن تمسكه بالحرب كونها حلاً لإنهاء الصراع المستمر في السودان.
وذلك رداً على اقتراح اللجنة الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة، ودولة الإمارات، والمملكة العربية السعودية ومصر، في وقت كان الكل في العالم ينتظر موافقة مباشرة من طرفي الحرب على الهدنة، فما يعنيه موقف ياس عطا هو: اندفاع الحرب الأهلية في السودان نحو فصل جديد من المأساة الإنسانية، والمزيدة من الخطورة على استقرار البلاد ووحدتها.

المشهد بهذا التصلب ومن دون مبالغة سيكون مختلفاً عن السنوات الثلاث الماضية، التي مرت بها هذه الحرب الأهلية، فكما يبدو أن الطرفين شبه متماثلين في القوة التسليحية، ستكون الحرب سجالاً بينهما.
وفي كل مرة يتم فيها سيطرة أحد قوات الجنرالين عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، أو محمد حمدان حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، على المجتمع الدولي أن ينتظر المزيد من عمليات الانتقام والقتل من الطرف المنتصر في لحظتها لحين عودة الطرف الأول للسيطرة، وحينها يتكرر المشهد في الناحية المقابلة، فهذه طبيعة الحروب الأهلية.

إن الإصرار على الحرب وعلى الحل العسكري، مع السخرية من اقتراح الرباعية يقدم العديد من الدلائل على المستوى الإنساني والأخلاقي للجيش السوداني وليس ياسر عطا وحده، بأن هذا الجيش يتحدى المجتمع الدولي وليس الرباعية فقط، ويبرز صورة لمجموعة من القادة المتشددين لا يمتون لهذا العصر بصلة، فكل الحروب تعالج بالحوار والتفاوض.
أمضى السودان أغلب تاريخه في عدم الاستقرار، وفي انعدام الهدوء السياسي، وكلها لأسباب داخلية، وليس نتيجة لعوامل خارجية كما هي معاناة أغلب دول العالم، حيث تتعلق تلك الأسباب بالتنافس بين قادته السياسيين، ولتقديم الحلول العسكرية، التي لا تعالج المشكلة من أساسها كما تفعل الحلول السياسية.
هذا الوضع المتوتر دائماً عجّز السودان عن الاستثمار الحقيقي في الثروات البشرية والطبيعية، التي يمتلكها بالشكل الذي يليق بهذه الدولة، التي يطلق عليها «سلة غذاء العالم»، بل تسبب في تقسيم السودان إلى دولتين الجنوب والشمال وحالياً ربما يتسبب موقف ياسر عطا «الرجل القوي في الجيش» بالنتيجة نفسها، فالتجارب التاريخية إذا لم تستفد منها فإن النتيجة تتكرر.

نسي ياسر عطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، وهو يرفض الهدنة الإنسانية أن الهدنة التي تنادي بها الرباعية تتعلق بالسودان وشعبه، وليس بدولة جارة أو عدو خارجي، لهذا الأمر بدت الصورة الطبيعية مختلفة بل ومقلوبة في هذا الموقف من قائد عسكري وسياسي يفترض أن يدرك معنى استمرار الحرب، وبالأخص الحرب الأهلية، وفي السودان تحديداً.
هذا الرفض يسهل على المراقبين عملية الفهم لمن هو الطرف الراغب في استمرار الحرب ولو نظرياً على الأقل، وبالتالي يعطي المجال للمجتمع الدولي أو للجنة الرباعية في شأن تصعيد لهجته ضد الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وياسر عطا، اللذين لديهما حساباتهما الشخصية في استمرار الحرب.
موقف الجيش السوداني لا يساعد على الخروج من الأزمة بل يعمقها، ويجعلها بلا أفق، لأن الحلول العسكرية وقتها قصير، وإن نجح طرف في السيطرة فسيكون النجاح مؤقتاً، ومثل هذا الموقف المصر على استمرار الحرب يعني انزلاق السودان إلى فصل جديد من الضياع.
والوقت يضيق على طرفي الصراع لتفادي تحديات وصعوبات ستكون مؤلمة، بسبب استخدام القوة العسكرية، التي أثبتت التجارب أنها لا تنهي أزمة.

يكمن الحل لكل الصراعات في التحاور السياسي بين الطرفين، وهذا ما تدعو إليه دولة الإمارات، وتصّر عليه رغم كل الانتقادات والمزاعم التي توجه لها، ولكن الشجاعة السياسية تتطلب الوضوح في أحلك المواقف، لأن التاريخ سيكون شاهداً على العصر.



شريط الأخبار