الإمارات مسيرة نحو سعادة الإنسان

أ.د. محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء
على الرغم من انتماء فكرة المدينة الفاضلة إلى المجال الفلسفي المثالي الذي انبثق قديماً مع الفيلسوف اليوناني أفلاطون، إلا أنّ هذه المثالية لم تكن مجرد حُلم عابر في الهواء بل كان يمتلك تصوّرات عمليّة تطبيقيّة لإنشاء مدينة يشعر فيها الإنسان بالسعادة من خلال مجموعة من المعايير والقوانين والخدمات التي يشعر فيها المواطن والمقيم والزائر بعمق الانتماء الروحي لهذه المدينة التي توفّر له أرقى أنواع الخدمات بأسلوب حضاريّ بعيد عن الروتين والتعقيد والبيروقراطية القائمة على التسويف والتأجيل واستنزاف طاقة الإنسان في المراجعة والمتابعة، بحيث تكون روح الحياة المتدفّقة بالعطاء والسعادة هي جوهر التغيير في المستوى الحضاري والأداء الحكومي، وليس مجرّد الرقيّ العمراني بحيث يمكن القول إنّ للمدينة الفاضلة أساساً عميقاً هو الإنسان في جميع مواقعه مواطناً كان أو مسؤولاً.
إنّ هذه الأفكار الفلسفية كانت بحاجة دوماً إلى الإرادة السياسيّة التي تحاول تحقيق هذا الحلم المثالي وتجسيده في مدينة فاضلة ينعم فيها الإنسان بسعادة صادقة تتجسّد في الشعور العميق بالأمان ورخاء العيش، وبساطة الحياة البعيدة عن التعقيد، ولقد كانت دولة الإمارات العربية المتّحدة ومنذ نشأتها قبل أكثر من نصف قرنٍ محظوظة بنوع متفرّدٍ من القادة الساعين بكلّ عزيمةٍ وإخلاص في سبيل مجد هذا الوطن والارتقاء بإنسانه واضعين نُصب أعينهم أن تكون هذه الدولة نموذجاً يُحتذى في التقدّم الحضاريّ وعلى جميع المستويات، وكان في طليعة ذلك الارتقاء بالحاكميّة الإدارية التي هي أقرب شيء إلى مشكلات الإنسان ورغبته في الحصول على خدمات إداريّة متميّزة توفّر الوقت والمال والجهد وتجفّف منابع الإدارة البيروقراطية التي هي الوجه الناعم للفساد الذي يستنزف طاقة الإنسان، ويُبدِّدُ وقته وماله ويُنغّص عليه جمال الإحساس بالحياة، ويكون لذلك أعمق الأثر في امتصاص طاقة الانتماء الواعي للوطن الذي لا يوفّر حقوق المواطنة الصحيحة للإنسان.
وتنويهاً بالجهود المتميّزة الّتي بذلتها حكومة دولة الإمارات في هذا السياق، أعلن صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في تغريدة رائعة المحتوى إطلاق المرحلة الثانية من برنامج تصفير البيروقراطية في حكومة دولة الإمارات، باعتباره مشروعاً وطنيّاً يستحق الإشادة والتنويه والافتخار.
«أطلقنا اليوم المرحلة الثانية من برنامج تصفير البيروقراطية في حكومة دولة الإمارات، مشروع وطنيّ لصناعة خدمات حكوميّة أكثر بساطة، أكثر سرعة، وأكثر تأثيراً».
بهذه الكلمات المتوهّجة بالثقة والشعور العميق بالفخر يُطلق صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد المرحلة الثانية من مراحل تصفير البيروقراطية التي هي شكلٌ من أشكال الحكم يتّصفُ بالتعقيد وتسلسل القيادة الهرميّة الصارم، والسلطة القانونية والرقابة المهنيّة والاعتماد على القواعد والإجراءات الرسمية التي تتقيّد بحرفيّة القانون وتخفق في التعامل مع روحه مما يؤدّي إلى انطباع العمل الحكوميّ بالروتين والتسويف وعدم الإنجاز السريع، وينعكس ذلك بكلّ سلبيّاته على المواطن الذي يشعر بالضيق من هذه الإجراءات التي تفتقر إلى السرعة والبساطة، فجاءت هذه الكلمة من صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد لتؤكّد على المحتوى العميق والجوهريّ لتصفير البيروقراطيّة بحيث ينتقل الجسم الإداريّ إلى مستوى جديد يكون أكثر سرعة، وأكثر بساطة وبالتالي أكثر تأثيراً، لأنّ علة البيروقراطيّة الكبرى هي افتقارها إلى هذه الثلاثيّة الكفيلة بنجاح الشكل الإداري وهي: السرعة والبساطة والتأثير، وحين نُحدّق جيّداً في مشكلات العالم العربي على وجه التحديد نجد أنّ المشكلة الأولى الّتي تقف عائقاً أمام تطوير الحياة والإنسان هي تفشّي البيروقراطية التي تترك آثارها العميقة السلبيّة على الدولة والإنسان.

«في المرحلة الأولى اختصرنا أكثر من 70 % من وقت تقديم الخدمات، وألغينا أكثر من 4000 إجراء غير ضروري، ووفّرنا على المتعاملين أكثر من 12 مليون ساعة من تكاليف الانتقال والوقت».
في هذا الجزء من هذه التغريدة الثمينة يتحدّث صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد عن الإجراءات العمليّة الّتي أدّت إلى ترشيق العمل الإداري وتجفيف منابع البيروقراطيّة الثقيلة الظلّ على الحياة، وتشهد الأرقام الّتي ذكرها سموه على النتائج الرائعة التي انعكست على حياة الإنسان الإماراتي الّذي يستحقّ هذا النمط من الإدارة الرشيدة، فإذا كان الوقت هو الحياة فإن تصفير البيروقراطيّة في المرحلة الأولى قد وفّر 70% من وقت المواطن، وإذا كانت كثرة الإجراءات الإدارية هي العقبة الكؤود في وجه التطوير الإداري، فإنّ التصفير قد ألغى أكثر من 4000 إجراء إداري غير ضروريّ، وكانت الثمرة الرائعة لهذه الإجراءات هي توفير أكثر من 12 مليون ساعة من تكاليف الوقت والانتقال ممّا يعني أنّ الدولة بصدد الانتقال نحو أفقٍ جديد يختلف معه مفهوم الإدارة اختلافاً جذريّاً، وستكون نتائجه باهرة التأثير لصالح التنمية ومسيرة التقدم في هذا الوطن الحبيب.

«نشكر أكثر من 30 جهة حكوميّة و690 فريق عمل ساهموا في تبسيط وتقليص الإجراءات الحكومية، واليوم نوسّع نطاق الإنجاز، ونُكثّف الجهود وخاصة في مجال تصفير البيروقراطيّة الرقمية».
ولأنّ النتائج السابقة لم تأتِ من الفراغ بل هي حصيلة جهود مشكورة مُضنية، فإنّ صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد قد قدّم شكراً كريماً لأكثر من 30 جهة حكوميّة عملت بدأبٍ وصبرٍ في سبيل تبسيط الإجراءات الحكوميّة، يساندهم في تنفيذ هذه المهمة الجليلة 690 فريقاً من فرق العمل المنخرطة في صناعة مجد الوطن والارتقاء به، مؤكِّداً على أنّ حكومة دولة الإمارات تسعى بحزمٍ وعزمٍ على توسيع إطار هذا الإنجاز وتكثيف الجهود في سبيل تصفير البيروقراطيّة فيما يتعلّق باستخدام التكنولوجيا الرقميّة في تقديم الخدمات لكي تظلّ المسيرة متواصلة في سبيل الوصول إلى الأهداف الّتي تحقّق التصفير النهائي للبيروقراطية في هذه الدولة الزاهرة النشيطة.

«هدفنا حكومة بلا تعقيد، وخدمات بلا انتظار، ونتائج تُحدث فرقاً حقيقيّاً في حياة الناس».

وبكلّ هذا الوضوح، وبكلّ هذه الشجاعة يُفصح صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد عن الهدف الكبير لكلّ هذه الإجراءات المتمثّلة في تصفير الإدارة البيروقراطيّة، حيث إنّ الغاية الكبرى هي حكومة بلا تعقيد من حيث الإجراءات الإداريّة وهذا يُلبّيه عنصر البساطة، وخدمات بلا انتظار، وهذا مُختصّ بعنصر السرعة، وتكون النتيجة هي وجود فرقٍ حقيقيّ في حياة النّاس وهذا منوطٌ بعنصر التأثير بحيث تتكامل هذه الثلاثيّة الرائعة: البساطة والسرعة والتأثير التي ذكرها صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد في مفتتح هذه التغريدة الّتي ترتقي إلى درجة الوثيقة الإداريّة لأنّها تضع حدّاً فاصلاً بين مرحلتين من مراحل الإدارة وتُسهم بكلّ كفاءةٍ واقتدارٍ في صناعة الحياة السعيدة الفاعلة في هذا الوطن الطيّب المعطاء.



شريط الأخبار