عمر عبيد غباش
ظهر مصطلح «الدولة المارقة» في مطلع التسعينيات على لسان الإدارة الأمريكية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حين أرادت واشنطن أن تحدد خصوماً جدداً يبررون استمرار تدخلها في النظام الدولي، وقد تبنّى هذا المفهوم مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك، أنتوني ليك، ووزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، للإشارة إلى دول ترى فيها الولايات المتحدة تهديداً مباشراً لمصالحها وأمنها القومي، مثل كوريا الشمالية وإيران والعراق وليبيا والسودان.
هذا التصنيف لم يكن قانونياً، بل سياسياً بامتياز، إذ لم يعتمد على معايير دولية متفق عليها، وإنما على نظرة واشنطن وحلفائها. فالمصطلح ارتبط بعدم احترام القرارات الأممية، أو السعي لامتلاك أسلحة دمار شامل، أو دعم جماعات مسلحة، أو ارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. ومع ذلك، ظل انتقائياً إلى حد بعيد؛ إذ صُنفت دول بعينها وفق هذه المعايير، بينما جرى تجاهل أخرى رغم تطابق أفعالها مع الوصف.
المثال الأبرز على ذلك هو إسرائيل، التي تُتهم منذ عقود بانتهاك القانون الدولي، ورفض تنفيذ عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى استمرارها في بناء المستوطنات غير الشرعية وممارساتها ضد الفلسطينيين. وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت الاتهامات إلى حد لجوء جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، التي أصدرت تدابير مؤقتة ضد إسرائيل في قضية الإبادة في غزة.
كما وثّقت منظمات حقوقية كبرى، مثل هيومن رايتس ووتش وأمنيستي، أن سياسات إسرائيل ترقى إلى جريمة الفصل العنصري.
ورغم كل ذلك، لم تُطلق الولايات المتحدة ولا حلفاؤها الغربيون على إسرائيل وصف «الدولة المارقة»، بل استمرت في تبرير سياساتها تحت شعار «الدفاع عن النفس». والسبب واضح: المصطلح أداة سياسية، لا معياراً محايداً. فهو يُستخدم لتأطير الخصوم وفرض العقوبات عليهم، بينما تُحمى الدول الحليفة مهما ارتكبت من أفعال مشابهة أو أشد.
إن ازدواجية المعايير في استخدام هذا الوصف تكشف جانباً من اختلال ميزان العدالة الدولية، وتطرح سؤالاً مشروعاً: إذا كانت معايير «الدولة المارقة» تنطبق على إسرائيل كما انطبقت على دول أخرى، فلماذا يستثنيها الخطاب الغربي؟ الإجابة ببساطة أن السياسة الدولية لا تحكمها الأخلاق بقدر ما تحكمها موازين القوة والمصالح.