د.البدر الشاطري
يعاني الشرق الأوسط من موجات الاضطراب، وفي بعض الحالات من الزلازل السياسية والأمنية، منذ قرن. ويجادل المهتمون بالمنطقة حول أسباب هذه الحالة المزمنة. البعض يرى أن مصدر الاضطراب خارجي، وبعضهم يرى أن أساسه داخلي.
مع بداية هذا القرن، دخلت المنطقة في أتون حرب ضروس، بسبب تداعيات أحداث 11 سبتمبر الإرهابية. ثلاث حروب تبعت هذه الأحداث الرهيبة. الأولى، حين أعلنت واشنطن الحرب العالمية على الإرهاب. والثانية حين هاجمت أفغانستان، واحتلتها للقضاء على القاعدة وحكم طالبان. وثلاثة الأثافي، حين غزت العراق بدواعي امتلاك أسلحة دمار شامل، واحتمال تسليمها إلى حركات الإرهابية.
وما انفكت المنطقة من هذه الحروب الثلاث، حتى دخلت في حراك سياسي كبير، هز أركان المنطقة من المحيط إلى الخليج. كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» لاحقاً (2016)، في صفحات ملحقها الأسبوعي، مقالة مطولة، خصصت لها العدد برمته. وكانت المقالة التي اختارتها الجريدة ذائعة الصيت، بعنوان هو «أراضٍ متصدعة: كيف تفتت العالم العربي».
وتقول المقالة إن هذا التحقيق الصحافي يختلف عن بقية التحقيقات التي ترد في المجلة، والتي استغرقت التحقيقات حوالي 18 شهراً. إنها تحكي قصة النكبة التي حلت بالعالم العربي منذ غزو الولايات المتحدة للعراق. وذكرت المقالة أن «جغرافية النكبة واسعة، وأسبابها متعددة».
وبعدها بسنين قليلة، اجتاح العالم وباء عظيم. قتل ما قتل من البشر. وتراجع الاقتصاد في العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط. بعض الدول تضامنت مع بعضها. وقدمت مساعدات طبية كثيرة. كان بالإمكان أن يكون البلاء فرصة لتحقيق تعاون دولي بين دول العالم.
كان هناك فراغ عالمي في القمة. هذا الفراغ أدى إلى السعي إلى النجاة الفردية، بدلاً من النجاة الجماعية. رغم أن الجائحة تفرض تعافي الجميع، لتعافي الفرد. لم يفطن لهذا إلا بعض الدول، والتي هرعت إلى نجدة الأخريات —حتى خصومها— كاستراتيجية للتعافي الجماعي.
وقد أدركت دول المنطقة خطورة الوضع، وتأثيره الكبير في شعوبها بتوحيد الجهود والتعاون في ما بينها.
لكن هذا الانفراج يبدو أنه كان مجرد استراحة محارب في الشرق الأوسط. فقد اندلعت حرب شعواء في فلسطين، حين قامت حركة «حماس» بهجوم مباغت ضد المستوطنين والعسكريين في غلاف غزة،
وكانت الرغبة في الانتقام أقوى من التعقل عند إسرائيل. بالنسبة لإسرائيل، لم يكن الانتقام بدافع ضحايا العنف الذي أطلقته «حماس» على سكان الغلاف فحسب، بل الشعور بالانكشاف الاستراتيجي، والمهانة من قبل مجموعات صغيرة في المنطقة.
الضربة أصابت الإسرائيليين في عمق توجسهم، أو البارانويا، بسبب تاريخ مليء بالمآسي، والتي تكللت بإبادة عرقية، هي من الأسواء في تاريخ البشرية. وما فتئت ماكينة الدعاية الإسرائيلية تربط بين المحرقة اليهودية وأحداث 7 أكتوبر.
دارت رحى الحرب وتوسعت حدودها. كانت هناك جبهات متعددة في غزة، ولبنان، واليمن، وسوريا، وما لبثت حتى وصلت إلى إيران، حيث استهدفت إسرائيل المفاعلات النووية، ثم أتت الولايات المتحدة لتجهز على المفاعلات المحصنة تحت الجبال.
ولكن الاعتداء الإسرائيلي على قطر، كان له صدى أكبر في المنطقة. لم تكن قطر يوماً من دول المواجهة. كما أنها لا تشارك إسرائيل حدوداً أو أرضاً متنازعاً عليها. كانت قطر، كما يراها الإقليم، وسيطاً بين المتصارعين.
الخطورة أن هذه سابقة خطيرة، وأن الولايات المتحدة تواطأت في الضربة، ووأدت المبادرة السلمية لإنهاء الحرب في غزة. هل تغير دول المنطقة من حساباتها وتحالفاتها؟