الإسلام الـمُتعَب!

عوض بن حاسوم الدرمكي
ذكر الجاحظ في كتابه المحاسن والأضداد أنّ هارون الرشيد أمَرَ يحيى بن خالد - وزيره - بحبس رجل جنى جناية فحبسه، ثم سأل عنه الرشيد فقيل: «هو كثير الصلاة والدعاء»، فقال للمُوَكَّل به: «عَرِّضْ له بأنْ تُكلِمَني وتسألني إطلاقه»، فقال له الموكل ذلك، فقال: «قل لأمير المؤمنين: إنّ كل يومٍ يمضي مِن نِعمتك يَنْقُصُ من محنتي، والأمر قريب، والموعد الصراط، والحاكم الله»، فخرّ الرشيد مغشياً عليه ثم أفاق وأمر بإطلاقه!

الأمر قريب، والأيام تمر، والعمر يتلاشى، والأعمال تُحصى، والديّان ليس بغافل، وإنما يحصد المرء ما زرع، ويحصل على ما أفنى عمره وماله عليه، إنْ خيراً فخير، وإنْ شرّاً فشرّ، ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

هذه العقيدة بوجود حساب وثواب وعقاب هي ما يجعل عامة الأمّة وفيةً لمسار الخيريّة الذي يُسِّرَت له، وهذا الوازع الديني الداخلي هو ما أبقاها عنصراً إيجابياً فاعلاً في المشهد الإنساني الطويل، ومعادلة تَصْعُب على التفكيك من أولئك الذين لا يرون أبعد من مصالحهم الشخصية، والذين لا يَفْتُرُون لحظة عن محاولة اغتيال تلك العقيدة النقية باصطناع غُربةٍ بينها وبين مُعتنقيها، فهذا الدين منذ ظهوره عقبةٌ كؤود أمام كل منحرفٍ عن المسار السوي، ومرجعية راسخة لا تقبل المبادئ المائعة والقيم المتحركة ولا تكترث لأكذوبة المخادعين بأنّ العالم قد تغيّر ولا بد من تغيير كل شيء، كأن الخير يمكن أن يتحول شراً والشر سيحصل على صك البراءة دون أن يتغيّر فعلاً!

إن ما يجري في السنوات الأخيرة من تخطيط لضرب الإسلام لهو أمرٌ لا يخفى على أحد، ولا يخفى أيضاً أنّ معاول الهدم قد تبرّع بحمل الكثير منها مَن ينتسبون اسماً لهذا الدين، وهم قد فارقوه روحاً واعتناقاً منذ أمدٍ بعيد، فهناك دُور نَشْرٍ عربية حَصَرَت دَوْرَها في تلقّف نتاج كل نطيحة ومتردية لوضعه على أرفف المكتبات ما دام يطعن في الإسلام، والشاشات ازدحمت ببرامج يتسنّمها منحرفون عن الدين وأشخاص لا علاقة لهم بعلومه وأصوله ليعبثوا كما شاؤوا، ومنصات الإعلام الاجتماعي تموج بملحِدين صرحاء وبدعمٍ سخي وإنتاج «متعوب عليه» لشيطنة الإسلام والوقيعة في رموزه وللبحث دون هوادة عن أي روايةٍ ساقطة في التاريخ الإسلامي لترويجها وتضليل العوام بها بدعوى إعادة قراءة تاريخنا قراءة نقدية كما يزعمون، وهي قراءة لا خطام لها من منهجية ولا عنان من أرضية علمية سليمة!

إنّ ما يجعل «رهط» الشر «الكبار» – فالكتاكيت العرب لا وزن لهم عندهم ولا قدر - يجتهدون في سعيهم المحموم لهدم الإسلام وتشويهه والافتراء عليه، فوق أنّه سيخلص البشرية من الضياع عن درب الخيرية والإنسانية الحقة لا إنسانيتهم المزعومة حالياً، أنّ ظهوره سيؤدي لكوارث مالية هائلة لهؤلاء الأشرار تتجاوز الـ12 تريليون دولار سنوياً لما يُحرّمه الإسلام ويمنعه ويمنع ذرائعه، فالربا مُحرَّم وهو يمثّل 8,8 تريليونات دولار، وصناعة الخمور محرمة وهي تبلغ 2,4 تريليون دولار، والمخدرات محرّمة وعوائدها السنوية 400 مليار دولار، والقمار مُحرَّم أيضاً وتجارته تزيد عن 450 مليار دولار، والدعارة والاتجار بالبشر بَيّنة التحريم وتجارتها تجاوز 100 مليار دولار بقليل، لذا لا يُستغرَب جنونهم وهم يرون الإسلام الدين الأكثر نمواً، فكلما زاد حضوره عَظُمَ خطره بقرب قدرته على حرمانهم من هذه الثروات الهائلة، وهي ثروات لم تأتِ إلا على حساب البشر وعلى حساب كرامتهم واستغلالهم بأبشع ما يمكن أن يكون الاستغلال!

إن الحرب على الإسلام هي حربٌ على كل فردٍ منّا، وما دامت في صورتها الأوضح حرباً ثقافية لإعادة تشكيل الوعي وتقديم «نسخة» إسلام تتناسب وما يريده الغرب، فإن جميعنا مسؤول وكلٌ مِنّا على ثغرٍ لا يجب أن يُؤتى ديننا مِن خلاله، فالتشويه يشتد سُعاره يوماً إثر يوم، وموجة الإلحاد في بلاد المسلمين تتصاعد شيئاً فشيئاً، والمنسلخون منّا عن دينهم أكثر جرأة في طرحهم من المتمسكين به، وأقل القليل أن يبدأ الإنسان ببيته قبل أن يصحو بالغد ليجد أبناءه وبناته مُحارِبين لدينهم ومسارعين للطعن فيه، فالإسلام ليس ضعيفاً عن نسف أباطيل خصومه ولكنه ضَعُفَ بخذلان أبنائه له، والإسلام ليس مُتعباً ولكن أتعبه استهانتنا بما يجري حوله واستهانتنا بخذلاننا وسلبيتنا معه، والمولى سبحانه يقول: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.



شريط الأخبار