الهاشمي نويرة
غياب الأفق السياسي للقضية الفلسطينية وعجز المجتمع الدولي عن فرض حل الدولتين يغذيان كل أشكال التطرفعاد الحديث هذه الأيام بقوة عن الوضع المأسوي في قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك بمناسبة اعتراض إسرائيل لسفينة المساعدات التي سعت لكسر الحصار المفروض على غزة، وكانت السفينة «مادلين» تحمل 12 ناشطاً من دول مختلفة بينهم، الناشطة السويدية في مجال البيئة غريتا ثونبرغ، وعضو البرلمان الأوروبي، الفرنسية ريما حسن.
وقد اعترضت القوات الإسرائيلية في وقت مبكر من صباح الاثنين، السفينة واحتجزت كل من كان على متنها وقادت السفينة إلى ميناء أشدود، قبل البدء في إجراءات ترحيل سريع للناشطين عبر مطار تل أبيب.
وقد أثارت هذه العملية احتجاج وإدانة جهات دولية عدة واعتبرت منظمات حقوقية أنها «تعد انتهاكاً للقانون الدولي» لجهة أنها تمت في المياه الدولية وهي إلى ذلك «تعرض حياة الناشطين إلى الخطر».
وبقطع النظر عن الجانب الاستعراضي لرحلة السفينة «مادلين»، فإنها كانت، إدانة لفشل المجتمع الدولي في إنهاء الحصار الإسرائيلي اللاإنساني وتحويل أقوال الفاعلين على المستوى الدولي إلى «أفعالٍ حازمة» للسماح بدخول المساعدات إلى غزة.
وتكاد مهمة السفينة «مادلين» تكون قد تزامنت مع صدور كتاب للمؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو، أكد فيه أن غزة أضحت «واقعاً مريراً»، ووصف المؤرخ الفرنسي في الكتاب بدقة حجم الدمار في القطاع والمعاناة اليومية لأهله.
ونشر جان بيير فيليو شهادته ووقائع إقامته داخل القطاع المدمر في شهر يناير الماضي رفقة منظمة «أطباء بلا حدود» معتبراً أن القوات الإسرائيلية تشن «حرباً لا إنسانية تهدف إلى التطهير العرقي لسكان القطاع».
ويبدو أن هذا التقييم للوضع في قطاع غزة والضفة الغربية بدأ يلاقي إجماع أطراف دولية عدة، فقد أعلن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في لقاء صحفي على هامش انعقاد «مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات» في مدينة نيس الفرنسية أن ما يجري في غزة تحديداً «لا يتعلق بحرب ولكنها عملية إبادة لشعب».
وقد لا يحتاج المرء إلى التدليل عن ذلك بأكثر من إبراز أرقام الضحايا الذين بلغ عدد القتلى فيهم أكثر من خمسين ألفاً، فضلاً عن عدد المصابين والمفقودين الذين يعدون بعشرات الآلاف، وإضافة إلى حالة الدمار الكلي التي أصابت القطاع وحولته إلى أنقاض تنعدم فيه كل مقومات الحياة.
ولعل ما يشد الانتباه هو الخلاصة التي توصل إليها المؤرخ الفرنسي في كتابه أن القوات الإسرائيلية فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة بالقضاء كليا على حركة «حماس» التي، في تقدير الكاتب، وإن «تأثرت بشكل كبير، لكنها في النهاية تأثرت بنسبة أقل من بقية السكان».
ومعلوم أن الجيش الإسرائيلي مكن «حماس» من تصفية وإزالة جميع مراكز المعارضة التي كانت موجودة في المجتمع الفلسطيني بغزة، في الجامعات، وفي المنظمات الأهلية المدنية، وفي مختلف الأوساط الفكرية، ودمر الهجوم الاسرائيلي على غزة كل الحواجز التي كانت أمام «حماس»، بحسب الكاتب الفرنسي جان بيير فيليو.
ويزداد اليقين كل يوم بأن غياب الأفق السياسي للقضية الفلسطينية وعجز المجتمع الدولي عن فرض حل الدولتين، وتفنن إسرائيل في وضع شتى العراقيل للحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، على جورها في حق الفلسطينيين، هو ما يمثل الخلفية الأساسية لانعدام الاستقرار في المنطقة وهو الذي يغذي كل أشكال التطرف في فلسطين المحتلة وفي المنطقة عموماً.
وإن الأمم المتحدة التي استطاعت فرض دولة إسرائيل، فشلت إلى حد الآن في فعل الشيء ذاته مع فلسطين، رغم أن قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 ينص على قيام دولتين اثنتين، ولكن إرادة بعض الأطراف الفاعلة على الساحة الدولية، لم تلتزم بتطبيق القرار كاملاً وهو الجانب التاريخي لمأساة فلسطين والفلسطينيين.
إن الشرعية الدولية كل لا يقبل التجزئة، وفي خلاف ذلك فإن قانون الغاب يسود.