«آسيان» والبحرين .. نحو عهد واعد من الشراكة

د. عبدالله المدني

نيابة عن الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، شارك الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد البحرين ورئيس وزرائها، في اجتماعات القمة الثانية بين دول مجلس التعاون الخليجي الست ودول رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) العشر، التي استضافتها كوالالمبور في أواخر مايو المنصرم، علماً بأن القمة الأولى عقدت بمدينة جدة في يوليو 2023، برئاسة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي.
وقد أولت البحرين مذاك اهتماماً خاصا بهذه القمة كونها منصة تنسجم أهدافها وتطلعاتها مع أهداف وتطلعات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ناهيك عن انسجام أهدافها مع سياسات مملكة البحرين الخارجية القائمة على التسامح والانفتاح والسلام، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، والتعاون والتنسيق والحوار مع مختلف دول العالم.
ولعل ما يبرهن على توجهات البحرين الصائبة لجهة تمتين علاقاتها مع الدول الآسيوية الصديقة، والدخول معها في شراكات استراتيجية منذ سنوات هو انطلاق فكرة «التوجه شرقاً» من البحرين قبل غيرها من الدول الخليجية، والإشارة هنا إلى دعوة أطلقها المرحوم يوسف أحمد الشيراوي، وزير الصناعة البحريني الأسبق، وأحد رجالات التنمية الخليجيين الكبار، في محاضرة ألقاها في لندن في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ففي تلك المحاضرة قال الشيراوي ما مفاده أن مصلحة دول مجلس التعاون تقتضي إقامة شراكة منهجية طويلة المدى متعددة الأوجه مع الدول والتكتلات الآسيوية الناهضة، بدءاً من الهند وانتهاء بالصين، ومروراً بدول منظومة آسيان، التي تأسست في عام 1967 من خمس دول (إندونيسيا والفلبين وتايلاند وماليزيا وسنغافورة)، ثم لحقت بها بروناي وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا على التوالي.
ولم تكن الفكرة مدفوعة في حينه بالتحولات الكبيرة، التي شهدتها الساحة الدولية مطلع عقد التسعينيات بانهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية، وبتصدع العلاقات العربية - العربية جراء غزو العراق للكويت فحسب، وإنما أيضاً بسبب تحقيق الكتل والكيانات الآسيوية الكبيرة نجاحات وصعوداً صاروخياً في الحقول الاقتصادية والعلمية والصناعية والتنموية، ما جعلها صاحبة نماذج يحتذى بها ودروس يمكن الاستفادة منها، وهو ما حقق لها نفوذاً وتأثيراً في الساحة الدولية.

لقد كان من نتائج اهتمام البحرين بالتعاون مع «آسيان» في مختلف الحقول أن استضافت المنامة في مايو 2009 أول اجتماع وزاري للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون ورابطة آسيان، وكما قال ولي عهد البحرين في كلمته أمام اجتماع كوالمبور في 27 مايو 2025، فإن ذلك الاجتماع الوزاري الأول كان بمثابة إعلان عن «بداية فصل جديد وواعد في العلاقات بين المنطقتين».
وما قاله ولي عهد البحرين أيضاً في السياق نفسه إن: «ما وحدنا حينها، وما جمعنا اليوم، هو الأساس المتين من القيم المشتركة، والمصالح المتوافقة، والفهم المشترك بأن التحديات العالمية الراهنة تتطلب وحدة وتصميماً وقوة جامعة، ومن خلال هذه الروح نحول التحديات إلى فرص، ونمهد الطريق نحو الاستقرار والازدهار المستدام لجميع مواطنينا».

ومنذ اجتماع المنامة التأسيسي حدثت تطورات كثيرة سواء على الصعيدين الدولي والإقليمي، أو على صعيد التعاون بين التكتلين الخليجي والآسيوي.
يشهد على ذلك حقيقة أن ما كان مجرد حوار استراتيجي تمهيدي، تحول خلال السنوات الماضية إلى شراكة قوية وراسخة عمادها التزام مشترك بالتنمية والازدهار لخير الشعوب، وتوافق على تعزيز وتوثيق الروابط في مجالات التجارة والاستثمار والسياحة والتعليم والتقنية والابتكار والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي والطاقة النظيفة.

وتمثلت خطوة البحرين الأولى في هذا الاتجاه بقيام وزير خارجية البحرين السابق الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بالتوقيع في بانكوك في الثاني من نوفمبر عام 2019، على وثيقة انضمام البحرين إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا (Treaty of Amity & Cooperation in Southeast Asia)، وذلك تجسيدا لرؤية الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في ترسيخ أواصر التعاون مع الجميع، وتشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، ودعم كل الجهود الساعية لتعزيز الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، والاهتمام بتطوير العلاقات والتعاون المشترك مع القارة الآسيوية بوجه عام، ومع رابطة الآسيان بوجه خاص.

وبهذا صارت البحرين ثالث دولة عربية تنضم إلى تلك المعاهدة بعد المملكة العربية السعودية ومصر.



شريط الأخبار