مدينة دبي .. قصة التحالف مع المستقبل

أ.د. محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء

دبي مدينة منفتحة على الحياة بأقصى طاقة حضارية وعزيمة إنسانية، وهي مدينة متجدّدة متحالفة مع المستقبل، بكل وعيٍ وتخطيط وانتباه، تسير في الحياة مثل نهرٍ متدفّق، يتعامل بمهارة مع كلّ عقبات الطريق، وتستطيع الاستدارة وتغيير الوجهة نحو أفقٍ جديد في اللحظة الحاسمة، وهي قبل كل شيء، محظوظة بنمطٍ فريدٍ من الزعامة، يمتد إلى قرابة قرنين من الزمان، من آل مكتوم الكرام، الذين رسموا لها مستقبلاً فريداً، جعل منها واحدة من الأيقونات العالمية في مسيرتها الرائعة في البحث عن الذات والهوية، وكتابة اسمها في سجلّ المدن الخالدة بإنجازاتها وعمق حضورها، وروعة إشعاعها وتأثيرها، بحيث اصطفّت بكل كفاءة واقتدار بين مدن الصفّ الأول في هذا العالم الواسع الجميل.
كثيرة هي الأدبيات التي تحدثت عن مدينة دبي ونشأتها وتاريخها، ومراحل تطورها، لكنّ أعظم تجلّياتها وأصدقها، قد خطّها عاشقها وفارسها وصانع مجدها ونهضتها، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي أبدع بريشة الفنّان، وذاكرة المؤرّخ، وجسارة القائد، في رسم صورة نادرة كثيفة التفاصيل لهذه المدينة الزاهرة، حين كتب سيرته الذاتية «قصّتي: 50 قصة في خمسين عاماً»، حيث كان لدبي الحضور الأعمق بين جميع محطّات الذكريات، وكان يتحدّث عنها حديث العاشق، الذي لا يمكن أن يخذل قلب الحبيبة، الحبيبة التي احتلّت مكاناً خالداً في ذاكرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، جنباً إلى جنب مع والده باني دبي ومهندس نهضتها، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ومع الخيل التي أحبّها حُبّاً جرى في الدماء والشرايين، ثمّ دبي وردة قلبه، وقاعدة سلطانه ومُلكه.
واليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على بزوغ نجم دبي في سماء الحياة، وإشراقة شمسها في هذا الكون، ما زال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يُحيطها بكامل عنايته واهتمامه، ويدفع بها بكلّ جرأة نحو مكانة متقدّمة جدّاً بين مدن العالم، من خلال حزمة ضخمة من المشاريع التنموية المتعلقة بالبنية التحتية، جعلت منها المدينة الأرقى في العالم، وفي هذا السياق من الاهتمام بمستقبل مدينة دبي، وبإطلالة القائد الفذّ، وعزيمة الرجل التي لا تلين، وضع صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، حجر الأساس لأول محطّة ضمن الخط الأزرق لمترو دبي، الذي يُعد واحداً من أرقى معالمها الحضارية، وحُلماً من أصدق الأحلام التي حققها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في مسيرته الرائدة في إعمار دبي والنهوض بها، وتعبيراً عن قيمة هذا الحدث الكبير، نشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، تغريدة ثمينة على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، هي في جوهرها وثيقة تاريخية، تضاف إلى سجلّ دبي الحافل بالإنجازات، تحدّث فيها عن المغزى الحضاريّ العميق، والأثر الكبير لمترو دبي، في مسيرتها التنموية الفريدة، وقد رافق تلك التغريدة فيديو مشحون بالعزيمة والصور والذكريات، افتتحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بقوله: «نحن نتحالف مع المستقبل، ونذهب إليه لنشارك في صُنعه، ولم نكن يوماً من الذين ينتظرون، ولن نكون».
لتكون هذه الكلمات بمثابة النبراس الذي يضيء الطريق، ويشحذ العزائم، ويصقل الإرادات، ويجعل المسيرة على وعي وعزيمة وبصيرة، ومن يقرأ في أدبيات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، سيجد الحضور العميق لفكرة المستقبل في تفكيره وكتاباته، فقد ختم كتابه البديع «رؤيتي: التحدّيات في سباق التميز»، بجزء خاص بالمستقبل، هو الجزء الخامس الأخير من الكتاب، حيث أبدع في الحديث عن جوهر رؤيته للمستقبل، وما يقتضيه ذلك من الاستعداد وبذل الجهد وعدم الركون إلى المنجز الراهن، لأنّ ذلك الركون هو الخطوة الأولى في التخلّي عن صناعة المستقبل، وكذلك ختم كتابه الرائع «تأملات في السعادة والإيجابيّة»، بحديث مفعم بالحيويّة عن المستقبل، وفلسفة الحرص عليه، حين قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «نعم، نحن مغرمون بالمستقبل، وبما يحمله»، مؤكداً بذلك أنّ الرؤية العميقة للحياة، لا تقبع في غرف الانتظار، بل تمتلك الجرأة للذهاب إلى المستقبل، والإسهام في صنعه، بدلاً من الجلوس على دكّة الاحتياط، في مسيرة الوطن نحو التميز والإبداع.

«أثناء وضع حجر الأساس لأول محطّة ضمن الخط الأزرق لمترو دبي، الذي يبلغ إجمالي منافعه 56 مليار درهم، المحطة تمثّل أيقونة معمارية، تُضاف لأيقونات دبي الحضارية، وستكون أولى محطّات الخط الأزرق، الذي سيمتدّ 30 كيلومتراً، ليصل إجمالي طول السكك الحديدية بدبي 131 كيلومتراً، و78 محطة».
بهذه الروح المفعمة بالأمل والعزيمة، يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه التغريدة الرائعة، التي تحكي جزءاً من مسيرة التطوّر في دبي، في ما يتعلّق بخط المترو، الذي يعد واحداً من أرقى معالمها الحضارية، الذي تنافس به المدن الكبرى في العالم، وهو المشروع الذي دشنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وانطلق بتاريخ 9 سبتمبر 2009، وكان الخطّ الأحمر هو أوّل الخطوط، وكان فاتحة خير لمدينة دبي، حيث شهد اليومان الأوّلان استعمالاً مبشراً بالخير، بلغ 110000 من سكّان دبي، وبعدها بعامين، تم افتتاح الخط الأخضر، وها هي دائرة الإنجاز تكتمل مع قرب افتتاح الخطّ الأزرق، الذي يشكّل أيقونة حضارية، تضاف إلى أيقونة المدن الحديثة، حيث سيكون نقلة نوعية في مسيرة مترو دبي، وسيكون له من المنافع ما يزيد من ثروة المدينة، ويشكّل عامل جذب سياحي، يسهم في تطوير مسيرتها الزاهرة.

«مترو دبي نقل منذ إطلاقه وحتى نهاية العام الماضي، أكثر من 2.5 مليار شخص، بمعدل 900 ألف راكب يومياً، والمسار الجديد، سيكون إضافة كبرى للبنية التحتيّة للنقل في الإمارة»، في هذا الجزء من تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، تتحدّث لغة الأرقام عن الأهميّة القصوى لمترو دبي في مجال النقل، الذي يعد المعضلة الكبرى داخل المدن الحديثة، حيث يشهد مترو دبي إقبالاً كثيفاً، وبلغ هذا العدد الكبير جداً، مليارين ونصف مليار من الركّاب، بمعدّل يقترب من تسعمئة ألف شخص يوميّاً، وهذه نسبة دالّة على نجاح هذا المشروع الحيوي من مشاريع دبي، التي تشكّل الأساس القوي لبنيتها التحتية، وأنّ الخط الأزرق سيكون إضافة نوعيّة إلى مترو دبي، كي تستمر هذه الإمارة النشيطة في مسيرتها الزاهرة نحو التقدّم والازدهار.
«مستمرون في تطوير المدينة، مستمرون في بناء أفضل مدينة للعيش في العالَم»، ثمّ كانت هذه الخاتمة، التي تؤكّد العزيمة القوية في رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي منح دبي أروع صور الاهتمام، وأنبل مواقف الجرأة، في سبيل أن تكون دبي هي المدينة الأفضل في هذا العالم الزاخر بالمدن الرائعة الجميلة، مشمولة برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وأنجاله الكرام.



شريط الأخبار