غضب الخرائط

جمال الكشكي
من غير المعقول أن إسرائيل بملايينها الستة من اليهود تقود منطقة يقطنها أكثر من 400 مليون نسمة إنه حلم ليلة صيف

ضاقت الخرائط بالصراعات، متلازمة النووي باتت صديقاً وفياً للثورات الملونة من أجل الخلاص من الاستقرار، تصادم النفوذ يتسع، غابت السياسة وحضرت القوة، المسرح الدولي ساحة للتجريب، الكبار يمتنعون، أو على الأدق، غائبون، هذه الأيام الأكثر قسوة على البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، قوى التغيير استبدلت التظاهر بالتكنولوجيا، الدرونز والذكاء الاصطناعي يحكمان القبضة على العالم.. الاغتيالات عقيدة قديمة متجددة تحمل رسائل رمزية للهزائم المعنوية.
ليس طبيعياً أن تندلع الحروب في شتى ربوع العالم في آن.. مفاتيح السلام في أدراج مغلقة بأختام إحداثيات المستقبل، «تل أبيب» في مهمة توراتية بتوقيع جابوتنيسكي وبن غوريون وبيغن.

الحرب على إيران زيارة إلى إسرائيل الكبرى، القصة أبعد من إجهاض النووي، وجربنا ذلك في العراق وروسيا وليبيا.

تعلمنا الدرس، لكن لم نتعلم تفاديه مرة ثانية، ترامب يجيد فن التجريب وحياكة أساطير حلفائه.

إسرائيل ورقة أمريكية لتصفية الحسابات في عالم حائر.. عالم فشلت القوانين الدولية أو المواثيق المؤسسية في كتابة وصفات إنقاذه، ثمة سؤال يطرح نفسه: لمصلحة من تظل الخرائط متصادمة؟ ألم يستطع ترامب، رئيس أكبر دولة والحليف الأكبر لإسرائيل، والذي قال إنه رجل سلام، أن يقوم بدور رجل الإطفاء لإنقاذ ما تبقى من حق للبشرية في الحياة؟
يوم الثالث عشر من يونيو الجاري، ظن نتنياهو أن طريقه مفتوح للتدمير، وإعادة رسم الخرائط، فَشن هجوماً على إيران، رغم المفاوضات التي كانت بين طهران وواشنطن في مسقط، وكادت تصل إلى اتفاق حول مشروع إيران النووي، لكن نتنياهو كانت لديه خطة أخرى، يفسد المفاوضات أولاً، ويقطع الطريق على مؤتمر نيويورك، الذي كان سيدعو إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ثم يجر العالم الغربي إلى حرب على رقعة شطرنج الشرق الأوسط، خطط لها ودعا إليها، وزعم أنه يغير الإقليم للأبد.
العدوان على إيران ليس مجرد حرب خاطفة كما كان يتمنى نتنياهو، بل هو بمثابة تغيير في مجرى التاريخ، فلن تتوقف قريباً إلا بتكلفة هائلة، الجميع فيها خاسر، وأولهم النظام الدولي بمؤسساته العاملة.
إن نتنياهو في هجومه على إيران، وبرعاية أمريكية وغربية، إنما يفتح الباب لحرب عالمية ثالثة تكتب باسمه، لكنه في النهاية لن يصل إلى بغيته، ولن يصل إلى مخططاته التي ورثها من أساتذته، التي تقوم على ابتلاع الأراضي وشطب الشعوب من أراضيها، ذلك أنه لا يمكن أن تقود دولة مساحتها 22 ألف كيلومتر، منطقة تمتد إلى أكثر من 14 مليون كيلومتر مربع، ومن غير المعقول أن إسرائيل بملايينها الستة من اليهود تقود منطقة يقطنها أكثر من 400 مليون نسمة، إنه حلم ليلة صيف، كما يقول وليم شكسبير.
تداخلت الخيوط واختلطت الأوراق بين مقدمة الحرب، وبين وقوعها بالفعل، الأخطار تحيط بخرائط الإقليم، ليس صعباً أن تضغط على زر الحرب، لكن ليس سهلاً أن تنهي هذه الحرب، التوقيت سيد الموقف.
تتزايد المخاطر كلما مر يوم بعد الآخر من دون توقف الحرب، فالطرفان يقتتلان بضراوة، أوهام نتنياهو دخلت الاختبار الصعب، منذ خمسين عاماً لم تشتبك «تل أبيب» مع عاصمة تمتلك جيشاً نظامياً، وقوة شاملة.

الرسالة هنا بعلم الوصول، فكل حروب «تل أبيب» كانت بينها وبين ميليشيات وجماعات ومنظمات، ظنت «تل أبيب» أن طهران واحدة من تلك الميليشيات، ولم تدرك أنها عاصمة دولة قديمة مستقرة منذ آلاف السنين، وذات سيادة، وعضو في منظمة التعاون الإسلامي، وعضو مؤسس في الأمم المتحدة، فضلاً عن جغرافيتها الاستراتيجية الحاكمة التي تجاور سبع دول مهمة، ناهيك عن مساحتها البالغة أكثر من 1.6 مليون كيلومتر مربع، ويقطنها نحو 90 مليون نسمة، أي أنها تعادل مساحة إسرائيل أكثر من 75 مرة.
أخيراً أقول إن منسوب غضب الخرائط وصل منتهاه، وإنه لا بد من التدخلات الحكيمة لوقف مزالق هذه الحرب حتى لا يصبح العالم في قبضة اللا يقين.



شريط الأخبار