أمينة خيري
في السياسة التي هي وثيقة الصلة بالاقتصاد والأمن، والتي تتشابك معها تفاصيل حياة الناس واحتياجاتهم الأساسية من صحة وسكن وغذاء وتعليم، لا مجال للحب أو الكره، والأمنيات والأحلام، والمغامرات غير المحسوبة، لا سيما حين يتعلق الأمر بحياة آلاف أو ملايين البشر.الوضع الحالي في المنطقة، وغزة في القلب منه، لا يتحمل المزيد من التجارب أو المغامرات أو المقامرات أو الإقدام على أداء قفزة الثقة، لا سيما حين يتم الدفع بأهل القطاع جميعهم في القفزة.
وإذا كانت قفزة الثقة تقيس قدرة الشخص على القفز معرضاً نفسه للخطر دون تردد، فإن قراره يجعله مسؤولاً عن نفسه، لا عن حياة الملايين معه، لا سيما حين يتم الدفع بهم رغماً عنهم.
الوضع الحالي يتطلب مرونة وشجاعة محسوبة، لا تهوراً لا يليق إلا بالمراهقين. مضى زمن التجارب، وانتهت رفاهية الخلافات الداخلية والاحتقانات الأيديولوجية، ولم يعد أمام الجميع سوى المضي قدماً نحو خطوة تحقن الدماء وتحول دون المزيد من الدمار.
لا يملك أحد الآن رفاهية قياس النيات، أو تقييم الأفعال، أو حتى طرح أسئلة مشروعة حول نوع الحسابات التي جرت قبل القيام بعملية السابع من أكتوبر، والمقاييس التي استندت عليها، والمعايير التي تم توقع النتائج بناء عليها. في يناير عام 2024، أصدرت حركة حماس وثيقة حملت عنوان: هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى؟، بالعربية والإنجليزية.
ويبدو أن الحركة استشعرت نبرات الاستنكار حتى بين بعض صفوف المؤيدين التاريخيين لها، فقالت إن هذه العملية كانت خطوة ضرورية لمواجهة إسرائيل.
مشيرة إلى تحول قطاع غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم على مدار ما يزيد على 17 عاماً بفعل الحصار الخانق. وجاء في الوثيقة أيضاً أن العملية كانت خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما يحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
لم تجب الوثيقة على أسئلة الحسابات، ما هي النتائج التي تم توقعها أثناء مرحلة التخطيط، والتي من شأنها أن تفيد القضية، وتخفف المعاناة عن أهلها، وتحقق المرجو في القضية الفلسطينية؟.
مرة أخرى، ليس هذا الوقت المناسب لطرح الأسئلة، كما أنه ليس الوقت المناسب لتشتيت الرأي العام العربي عبر رسائل متناقضة من أطراف عدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر محاولة البعض الإمساك بالعصا من المنتصف.
حيث بث رسائل إعلامية داعمة لاستمرار المغامرات الهوجاء، بينما السياسة الرسمية تسير في اتجاه عقلاني موزون. المؤكد أن الوضع الحالي ليس مثالياً لأصحاب القضية، لكن كونه غير مثالي لا يعني أبداً اعتناق مبدأ العناد على أمل أن تهبط معجزة من السماء تدفعه نحو المثالية، أو القيام بقفزة ثقة، تدفع هذه المرة بما تبقى من القضية وأهلها نحو المزيد من المجهول.
وعلى هامش الوضع الحالي، يجب التذكير بأن الملف الفلسطيني والشعب الفلسطيني ومصير ما تبقى من أراض فلسطينية، هي القضية الأصلية. أخشى أن يكون البعض قد وقع في فخ تضخيم حركة أو جماعة على حساب القضية الأصلية، وأن يكون التركيز قد تحول من تبني قضية فيها ملايين الناس ومصير أجيال إلى تبني مصير حركة أو جماعة، بعيداً عن إصدار الأحكام على الحركة أو الجماعة.
مؤسف جداً أن يكون الصوت الوحيد غير المسموع في ظل الوضع الحالي الملتبس الخطير هو صوت أهل غزة.. بالطبع يسمع الجميع صوت الأنين والألم اللذين لا يعكسان إلا صموداً وكرامة وعزة، لكن صوتهم فيما يتعلق بمصيرهم، واختياراتهم، وأولوياتهم غائب.
القليل المتاح عما يجول في داخل غزة يشير إلى اشتياق واضح لإنهاء المعاناة، ولكن يكشف أيضاً عن قلق عارم، ولهم كل الحق حول ضمانات المستقبل، ومصير غزة الأرض والشعب، وهنا يأتي دور الداعمين الحقيقيين لإنهاء مأساة القطاع وأهله عبر التفاوض والحكمة والتعقل.