د. محمد عاكف جمال
مر قبل بضعة أيام السابع من أكتوبر 2025 مذكراً العالم أجمع بما أحدثه «طوفان الأقصى» في هذا اليوم قبل عامين في قطاع غزة وفي منطقة الشرق الأوسط من زلزال أشعل حروباً لا تزال تداعيات رداتها تقلق أمن شعوب المنطقة، وتعزز مخاوف العالم بأن ما هو قادم قد يكون أشد خطورة وأعمق دلالة، ليس على مصير الشرق الأوسط، بل على مستقبل السلم في العالم.
منذ سنوات ونحن نسمع ما يتردد في الأوساط الغربية، وبشكل خاص ما يتردد في الأوساط السياسية الأمريكية، عن الحاجة إلى إعادة بناء الشرق الأوسط وفق توازنات جديدة.
هذه الطروحات تمهد لدخول فواعل خارجية لتسهم في هندسة المنطقة في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عن مدى قناعات دول المنطقة بما يتردد في هذا السياق؟ وعن من سيضطلع بأداء هذه المهمة؟ وعن الأهداف التي تكمن وراء ذلك؟
لم تكن التوازنات في القوى، وما يترتب عليها من سياسات على مختلف الصعد في منطقة الشرق الأوسط، مهمة متروكة لإرادة دولها فحسب، رغم أن لهذه الدول هوامش تتناسب مع حجومها في رسم معالم هذه التوازنات.
هوامش ازدادت توسعاً مع التطور في قدراتها العسكرية والاقتصادية وتزايد حجم حضورها سياسياً في المجتمع الدولي، تطور شهدته المنطقة كجزء من التطور العالمي في أطر رسم العلاقات الدولية.
التوازنات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط من الصعب أن يعزى بناؤها إلى مدى القدرات العسكرية لدولها، وإن كان لهذه القدرات شأن في ذلك، فالمنطقة ليست ساحة حرب وإن بدت كذلك في بعض فصول تأريخها الحديث، بل ساحة مصالح ترتبط بأبعاد علاقات دولها بدول العالم بما يضمن الحصول على الحد الأدنى المقبول في أعرافها ويضمن أمنها القومي.
نحاول الإجابة عن الأسئلة التي طرحناها، خاصة السؤال الأهم حول من سيصنع هذه التوازنات في الشرق الأوسط الجديد؟
من الصعب استباق العنصر الزمني الذي سيكون حاسماً في تقرير ما يترتب على عملية مولد هذا الشرق الأوسط من أحداث وما تخلفه من تداعيات على خرائطه وما تحدثه من هزات على مجتمعه.
دول هذه المنطقة هي بكل تأكيد من يرسم معالم التوازنات التي ترسم سياساتها، ولكن لا يمكن تناسي دور العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع باقي أنحاء العالم.
منطقة الشرق الأوسط ليست جزيرة جغرافية صغيرة معزولة عن العالم، فهي محط اهتماماته، خصوصاً من قبل الشعوب التي تنتمي إلى ثقافته، وهي دول الشمال الأفريقي التي تشرف على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، إذ لا يمكن لأية دراسة سياسية رصينة تتناول قضايا الشرق الأوسط أن تتجاهل دور هذه الدول في الانغماس بهذه الدرجة أو تلك قي أعماق مشكلاته، خصوصاً ما كان منها متعلقاً بالشأن العربي وكأنها جزء منه وهي حقاً كذلك.
كما أن موقع المنطقة الجغرافي الذي تطل من خلاله على ثلاث قارات والثروات الطبيعية المتوافرة في أراضيها يغريان معظم دول العالم، وبالأخص الدول العظمى لكسب ودها ورسم توازنات أقوى معها.
فنظرة سريعة إلى خارطة الشرق الأوسط الجغرافية وإلى خارطتها السكانية وإلى سجلات تواريخها تكشف عن صعوبة، بل عن استحالة مهمة بناء توازنات جديدة مستقرة طويلة الأمد فيها بمعزل عن إرادة دولها، فبعضها دول كبيرة مساحة وسكاناً وتأريخاً، كان لها في الماضي دور كبير على مدى قرون عدة في صناعة عالم اليوم.
هناك اتجاه يتعزز باستمرار على استخدام أقصى درجات الضغوط السياسية لإجراء بعض التغييرات، وبالتالي التوازنات في المنطقة، وليس استخدام القوة مستبعداً في ذلك، وهو ما دفعنا إلى وضع عنوان هذه المقالة.