فطرة التبسم والدليل العلمي

د. محمد النغيمش
أثارت الابتسامة نقاشاً واسعاً، نصاً وصوتاً وصورةً. لا تكاد تجد أدبية اجتماعية أو نفسية إلا وقد تناولت تلك الضحكات الصامتة، فماذا يقول العلم الحديث عن تلك اللحظة الفارقة في علاقة طرفين؟.
معظم العلاقات بدأت عبر ابتسامة عفوية، فقد تبين أن الإنسان يفترّ ثغرُه عن ابتسامة وهو في بطن أمه، إذ أظهرت تقنية الموجات فوق الصوتية بالأبعاد الثلاثية أن الأجنة تنمو وهي مبتسمة، وحتى بعد الولادة تجد الرضيع يبتسم.

وقد رصد ذلك في مشاهدات عدة أثناء نومه. وكذلك الأطفال المصابون بالعمى يبتسمون، وهذا دليل على أن الابتسامة ليست مرتبطة فقط بما نشاهده، بل إن الأصوات من حولنا قد تدفعنا للابتسام كما يحدث مع الطفل الكفيف.

لكن هل تبقى الابتسامة مجرد سلوك فطري؟ أم تتحول مع الزمن إلى مؤشر حياة؟، ففي دراسة مطولة لجامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس UCLA مدتها نحو ثلاثين عاماً، حاول الباحثون من خلالها تأمل صور خريجي المدارس لقياس مدى نجاحاتهم وسعادتهم الحياتية وطول زواجهم عن طريق تحليل ابتساماتهم.
كما قاس الباحثون درجات الرضا عن الحياة والقناعة، وما إذا كانوا قد اعتبروا لاحقاً ملهمين لمن حولهم، فاتضح أن هناك علاقة بين الابتسامة والرضا الحياتي والتأثير.

وعندما درس الباحثون صور اللاعبين الذين لم يبتسموا في صورهم اتضح أنهم عاشوا لاحقاً ما متوسطه 72.9 عاماً، بينما عاش الذين تحلوا بابتسامات عريضة ما معدله 80 عاماً.

المفارقة أنه حتى عندما توجه العلماء إلى القارة الأفريقية، وجد الباحث بول إكمان، وهو من أبرز الباحثين في موضوعات تعابير الوجه، في دراسته في غينيا أن أفراد قبيلة الفور المعزولة تماماً عن الثقافة الغربية، والمعروفة بأكل لحوم البشر، يستخدمون ابتساماتهم للتعبير عن حالاتهم.
وتبين أن أكثر من ثلث الأشخاص يبتسمون أكثر من عشرين مرة يومياً، ونحو 14 % في المئة يبتسمون أقل من خمس مرات يومياً.. لكن الصدمة كانت بأن الأطفال يبتسمون 400 مرة في اليوم، وربما هذا ما يولد لدينا شعوراً بالتبسم عندما نحاط بالأطفال ونتأمل تعابيرهم العفوية الجميلة.
وبالفعل أظهرت دراسة لجامعة أبسالا في السويد، أنه من الصعب جداً العبوس في وجه شخص يبتسم والسبب أن التبسم سلوك معدٍ ويصعب التحكم به.

حتى حين نحاول اختبار صدق الابتسامة، يفاجئنا الجسد بعجزه عن الخداع. وفي دراسة لمحاكاة الابتسام في جامعة كليرمونت-فيراند بفرنسا، حاول الباحثون معرفة مدى حقيقة الابتسامة من عدمها.
وعندما وُضِعَ قلم في عرض الفم لشده لم يتمكن المشاركون من محاكاة الابتسامة بسبب وجود القلم في فم المبتسم، بعبارة أخرى لم يتمكنوا من معرفة صدق الابتسامة من كذبها.

فضلاً عن ذلك قال صاحب نظرية التطور في أصل الأنواع، تشارلز دارون، إن الاستجابة الوجيهة تشير إلى أن الابتسام بحد ذاته يدفع المرء للشعور بأنه في حالة أفضل بدلاً من النص على أن الابتسام (emotion) هو نتاج الشعور بالحالة الجيدة.
وقد استند دارون إلى أبحاث عالم عصبي فرنسي اسمه جوليام ديشني، الذي استخدم الصعقات الكهربائية لكي يحرك العضلات في الوجه لتحفيز الابتسام.

ولأن التبسم ليس مجرد تعبير، فقد التفت العلم إلى أثره العصبي المباشر. وتحرك الابتسامة في الدماغ منطقة الإنجاز، بالطريقة نفسها التي تقوم بها الشوكولاته حينما يتناولها الإنسان فتمنحه شعوراً بالرضى الداخلي لا يضاهيه شيء.
وأشار باحثون بريطانيون، إلى أن ابتسامة واحدة يمكن أن تعادل تحفيزاً نفسياً مريحاً بنفس ما يقارب تناول ألفي قطعة شوكولاته. وأشارت الدراسات إلى أن الابتسام يحرك الشعور نفسه الذي يحصل عليه الإنسان عند حصوله على 16 ألف جنيه إسترليني..

وهذا يعني أن 25 ألف دولار لكل ابتسامة.. غير أن الإكثار من الابتسام لا يضر مثل تناول الشوكولاته لأنه يساعد في تقليل الهرمونات الناتجة عن التوتر مثل الكورتزول والأدرينالين والدوبامين.

ويرفع الابتسام تدفق هرمونات السعادة مثل الأندروفين ويقلل بصورة عامة ضغط الدم.. وما جاء أعلاه هو خلاصة خطبة جميلة للباحث رون غوتمان في منصة تيد وترجمها سعد المالكي.
أما اللافت حقاً فتشير دراسة أُجريت في بنسلفانيا إلى أن التبسم لا يجعلنا أكثر قبولاً وقابلية للحب فحسب، بل يمنحنا أيضاً مظهراً يوحي للآخرين بأننا أكثر كفاءة من غيرنا.



شريط الأخبار