الحكومة وتوظيف الذكاء الاصطناعي

أ.د. محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء

في مسيرة متفرّدة في العطاء والبناء زادت على نصف قرن، يؤكّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أن الهدف المركزي الأعلى لجميع الحكومات التي تعاقبت على إدارة شؤون البلاد هو تحقيق السّعادة والرخاء للشعب الإماراتي، ومواكبة جميع مظاهر التطور في شؤون الإدارة والحكم، وفي كتابه الرائع «تأمّلات في السعادة والإيجابية» عقد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فصلاً مستقلاً بعنوان «الحكومة الإيجابية سعادة للمجتمعات» فرّق فيه على نحوٍ دقيق بين المعنى التقنيّ للحكومة بما هي مؤسسة تقوم على الحياديّة والدقّة في أداء العمل والمهامّ وتطوير السياسات والتشريعات بحيث تخضع في النهاية لمنظومةٍ واضحةٍ من التعليمات واللوائح والأنظمة وبين المعنى الأخلاقيّ للحكومة الذي يهتمّ بحسب عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بالجانب النفسيّ والقِيَمي والمعنويّ في العمل، لأنّ الحكومة يعمل فيها بشرٌ يعملون من أجل سعادة البشر في نهاية المطاف.
وتأكيداً على هذا الهدف الراسخ في سياسة الدولة، ما زالت الإمارات تسعى بكلّ قوّة وكفاءة واقتدار نحو تطوير الحياة الإداريّة بما يضمن تحقيق هذا الهدف الذي ربّما ظنّه البعض هدفاً مثاليّاً، لكن النظر الفاحص فيما وصلت إليه دولة الإمارات من مظاهر التقدّم يؤكّد أنّ الرؤية العميقة لشكل الدولة وطبيعة الخدمات التي يتمّ تقديمها للمواطنين، ويُتوخّى فيها تسهيل جميع الإجراءات على المواطنين هي في حيّز التحقق بحيث أصبحت واقعاً ملموساً يحياه الناس وليست مجرّد حلم يتمنّون تحقّقه على أرض الواقع، الأمر الذي يؤكِّدُ أصالة الرؤية، والالتزام التامّ بتنفيذ هذه الأفكار والرؤى المتقدّمة.
وتعبيراً عن نجاح هذه السياسة، والتصميم على مواصلة هذا النهج نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي تغريدة رائعة المحتوى أعلن فيها عن الخطة الاستراتيجية للحكومة الاتحادية حتى العام 2031م والتي ستتبنى مفهوم الذكاء الاصطناعي في التخطيط والتنفيذ، لتكون هذه النقلة المتميّزة واحدة من أكثر التطورات في خدمة الوطن والإنسان.
«أطلقنا بحمد الله الدورة الجديدة للخطّة الاستراتيجية للحكومة الاتحادية 2031، الدورة الجديدة من خطّتنا الحكوميّة ستركّز على توظيف الذكاء الاصطناعي في التخطيط، وتبسيط وتقليل الإجراءات والمتطلبات، وتحقيق كفاية مالية أعلى للحكومة الاتّحادية» بهذه الكلمات المتوهّجة بروح التفاؤل والأمل والعزيمة يعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن إطلاق الدورة الجديدة لحكومة الإمارات حتى العام 2031 حيث اشتملت هذه المقدّمة على الأهداف المركزية لهذه الخطّة التي ستقوم بتوظيف معطيات الذكاء الاصطناعي الذي أصبح هو المحرّك الرئيس في تنمية المجتمعات لا سيّما في تنفيذ الأعمال والتطبيقات التي تحاكي الذكاء البشري في جميع مجالات الحياة، وذلك لتحقيق الأهداف المعلنة المتمثلة في تبسيط الإجراءات وتقليل المتطلّبات وتحقيق كفاية مالية أعلى لحكومة دولة الإمارات مما يعني أنّ الخطة واضحة المعطيات والأهداف، وأنّ تنفيذها على الوجه الصحيح خلال المدّة الزمنيّة التي تمّ تحديدها ستكون كفيلة بعون الله بتحقيق جميع الأهداف التي ستنعكس بالخير والرفاه على المجتمع الذي يلحظ بعين الإعجاب والتقدير جميع الإجراءات الحكومية والخطط التنمويّة التي تضع نصب عينيها تحقيق أفضل حالات العيش في هذا الوطن الطيّب المعطاء.
«في السابق كان مقياس نجاح الحكومات هي قوّة أدواتها ولوائحها التنظيمية، وقوّة فرقها الرقابية والتفتيشية، وشمولية إجراءاتها لجميع المجالات» في هذا المقطع من التغريدة يلقي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ضوءاً كاشفاً على معايير التقييم السابقة للحكومات وتحقيقها للنجاح، والتي تتمثّل في قوة الأدوات التنفيذية، وكثرة اللوائح التنظيمية، وفاعلية الفِرق الّتي تقوم بعمليات الرقابة والتفتيش بما يكفل تنفيذ الخطّة الحكوميّة مع شمول الإجراءات الحكوميّة لجميع مجالات الحياة.
«اليوم مقياس النّجاح في الحكومات هو في تخفيف اللوائح، وانسيابيّة الإجراءات والمعاملات، والذكاء في استخدام الموارد، وهي مهمة أصعب من السابق» في هذا المقطع من التغريدة يؤكّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن هناك تحوّلاً جوهريّاً في مفهوم النجاح ومقاييسه لدى الحكومات الحديثة، حيث يشير إلى التطوّر المعاكس للمعايير القديمة، فإذا كانت اللوائح الكثيرة هي أحد معايير النجاح في السابق، فإن تخفيف اللوائح أصبح معياراً قويّاً في تقييم نجاح الحكومات الحديثة، وكذا القول في طبيعة الإجراءات الّتي كانت تتسم بالبيروقراطيّة الصارمة حيث انتقلت إلى مفهوم الانسيابية التي تعني البساطة والسهولة في تنفيذ المعاملات وتقديم الخدمات، مصحوباً ذلك كلّه باستخدام الذكاء في استخدام الموارد بحيث يؤدِّي ذلك إلى ترشيد النفقات واستثمار الوقت، وهي مهمّة ليست بالسهلة لكنّها في صالح الوطن والإنسان.
«تتغيّر الأدوات، وتتبدّل المخطّطات والأولويّات، ويبقى الثابت الوحيد المرونة في خدمة شعب الإمارات» ثمّ كانت هذه الخاتمة الرائعة الّتي تشير إلى الوعي العميق بجوهر التحوّلات وأنّها من طبيعة الحياة، وما يترتّب على ذلك من تغيير الخطط والأولويّات لكن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يؤكّد بما لا يَدَعُ مجالاً للشك أنّ الثابت الوحيد ضمن هذه الشبكة المتداخلة من التحوّلات هو الشعب الإماراتي الذي يستحقّ هذا النمط الفريد من المعاملة والخدمات



شريط الأخبار