سليمان جودة
العبارة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بشأن مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت في مكانها تماماً.
كان سموه يتكلم في مداخلة هاتفية مع إذاعة وتلفزيون الشارقة فخاطب رواد هذه المواقع، قائلاً: «ارتقوا بأنفسكم ولا تكونوا إمعات».
وتستطيع أن تقول إنه لمس عصباً حساساً لدى كل الذين يتابعون ما يجدونه على مواقع التواصل، ولا فرق بين أن يكون ما يجدونه صورة أو خبراً أو رأياً أو تقريراً صحفياً، أو أي مادة إعلامية يجري طرحها للتداول بين عموم الجمهور.
الدعوة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، يتمنى المرء أن يضعها كل شخص يدخل على مواقع التواصل أمام عينيه، فلا تغيب عنه في أي وقت يكون فيه متفاعلاً مع شيء مما تذيعه هذه المواقع وتنشره، فلقد صارت مواقع التواصل إعلاماً موازياً للإعلام التقليدي الذي عشنا نعرفه، والذي عشنا نأخذ منه الخبر والرأي، ونحن على ثقة بأن ما يذيعه وينشره يخضع لمعايير موضوعية، وأنه إعلام يتحلى بالحد الأدنى من المسؤولية تجاه المتلقي، وأنه يفعل ذلك في كل مرة يكون عليه فيها أن يخرج على الناس بالأخبار والأنباء، فلا يقبل أن يتجرد من مسؤوليته، التي هي سبب ثقة المتلقي فيه، ولا يفرط فيها مهما كانت المغريات.
إن الإنسان الإمعة، الذي يقصده صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، هو الإنسان الذي يمشي وراء سواه من الناس، وهو الإنسان الذي يسلم عقله للآخرين، فلا يميز فيما يقول أو يعلق أو يكتب، بين ما يقال وما يجب ألا يقال في الفضاء العام، وتكون الحصيلة هي هذه الفوضى، التي لا مثيل لها بين موقع تواصل اجتماعي هنا، وموقع آخر هناك، أو بين منصة اجتماعية هنا، وأخرى هناك، فالقاسم المشترك الأعظم هو عدم التيقن مما هو منشور، وعدم التدقيق فيما يُذاع، وما إذا كان صحيحاً يمكن أن يؤخذ به أو عنه، أم أنه لا صحة فيه، وبالتالي لا يجوز الأخذ أو البناء عليه.
يحدث كثيراً أن تتابع آلاف التعليقات على خبر منشور على مواقع التواصل، فإذا قررت أنت أن تتحرى صحة الخبر الذي يجري التعليق عليه بهذه الكثافة، فتبين لك أنه غير صحيح، وليس فقط غير دقيق، وأن كل الذين علقوا عليه لم يكلفوا خاطرهم عناء البحث في أصل الخبر وفصله، والتأكد من مدى صحته أو عدم صحته.
هذه مشكلة في حد ذاتها، ولكن المشكلة الأكبر أنك ستكتشف أن أول شخص علق على الخبر كان بمثابة نقطة البداية، التي تتالت من بعدها التعليقات في ذات الاتجاه، فيبدو أول الذين علقوا وكأنه حادي الإبل الذي إذا سلك طريقاً سلكت الإبل الطريق ذاته وراءه في تسليم كامل.
ولا بد أن الإبل معذورة، لأنها لا عقل في رأسها، ولا وعي عندها، ولكن ما عذر الذين في رؤوسهم عقول، ثم لا يفكرون في أن تكون هادياً لهم في كل سبيل، ولا ينشغلون بما يدعو إليه العقل من الحيطة والحذر واليقظة، ولا بما يفرضه عليهم من ضرورة التمييز بين الصحيح وغير الصحيح.
ولأمر غير مفهوم فإن رواد مواقع التواصل لا يتفاعلون إلا مع ما هو سلبي، وهذه مسألة تبدو عصية على الفهم، وإن كان أساتذة الصحافة قد علمونا في مقاعد الدراسة أن الكلب إذا عض إنساناً فإن هذا ليس خبراً في الحقيقة، وإنما الخبر هو أن يعض الإنسان كلباً!
لم يحدث طبعاً أن عض إنسان كلباً، ولكن هذا المثل الشائع في كتب الصحافة يراد به القول إن الإنسان بطبيعته لا ينجذب إلا إلى كل ما هو غريب وعجيب، ولذلك فإذا عض الكلب رجلاً فلا خبر في الموضوع بالمقاييس الصحفية، التي تدرس نفسيات جمهور الإعلام، ثم تذهب إلى شرح ما يحكم هذه النفسيات في المتابعة، وفي الرصد وفي التقييم.
هذا المثال الشائع في تدريس الصحافة كان ولا يزال يقصد الخبر كخبر، ولم يكن يتحدث عن الرأي ولا عما يصدر عن مختلف الأشخاص في التعليق على الخبر.
ولا تعرف متى يمكن للأغلبية من رواد المواقع أن ترتقي بنفسها، ولا متى يمكن ألا تكون إمعات؟ ولكن المؤكد أن قسط التعليم الذي يتلقاه الشخص في حياته له دور مهم في ضبط الحركة على مواقع التواصل، فليس من الوارد أن يُسلم إنسان متعلم عقله لسواه بسهولة، ولهذا فالبداية من هناك في المدرسة وفي الجامعة، وليست في مكان آخر.