«الشوارب» كسلاح انتقامي في السويداء!

رشاد أبو داود

لا تخلو مدينة أو قرية عربية من عائلة بأسماء مثل: النجار، الحداد، السماك، الخطيب، الخياط، الحلاق، الخباز، القاضي، المفتي، وأبوشرار و... أبو شنب. كل هذه الأسماء لها علاقة بمهنة الجد الأقدم للعائلة، توارثها الأبناء والأحفاد، وثمة أسماء ارتبطت بالمكان، مثل: البصري، المقدسي، البيروتي، المصري، البغدادي، وغيرها.
ما يهمنا في هذا المقام «الشنب» أو «الشوارب»، من حيث التسميات والمدلولات والأشكال، وتطورها عبر الزمن، خاصة ونحن نرى المشاهد المؤسفة في السويداء السورية من قص لشوارب الدروز، كعقاب وانتقام، وإشعال الفتنة من قبل أفراد خارجين عن القانون والتقاليد، ولأهمية رمزية الشارب لدى أبناء الطائفة، كموروث تاريخي، ما أدى إلى وفاة مسن قهراً بعد قليل من قص شاربه.
عاش العرب تحت الحكم العثماني قرابة 400 سنة، من القرن السادس عشر حتى بدايات القرن العشرين، ومن الطبيعي أن تتسرب إليهم عادات وتقاليد العثمانيين، من أصناف الأكل والملبس والألقاب، وحتى الألعاب، مثل طاولة الزهر.
كان الشنب ضرورة من ضرورات إظهار وإثبات الرجولة للشباب، ولتأكيد الهيبة للكبار. ما إن يبلغ الصبي سن الخمس عشرة سنة، حتى يغلق عليه باب الحمام، ويبدأ بتقليد والده أو أخيه الأكبر، يرطب وجهه بالصابون، ثم يمرر شفرة الحلاقة على ذقنه وفوق الشفة العليا.

يخرج بجرحين أو ثلاثة، فيكتشف أمره. رغم التأنيب والتقريع، إلا أن الأم تفرح أن طفلها المدلل لم يعد طفلاً، كذلك يفرح الأب أن ابنه سيصبح رجلاً بشنب، وبعد شهور، ينبت للفتى شعر شنب ولحية خفيفة، إما أن يحلقها أو يدعها تنمو خفيفة.
كان الشنب شرف الرجل، يحلف به، ويتعهد بمسكه من طرفه. كما أنه وسيلة عقاب لمن يخون أهل الحارة، بحلق شاربه وطرده لسنوات محددة، كما حدث لشخصية خطاب، التي جسدها الفنان سامر المصري، في المسلسل السوري «الدبور».

مع تطور الزمن، تغير شكل الشارب، من مقود السيارة أي رفعه من الجانبين، إلى إنزال طرفيه أسفل الشفة السفلى على شكل هلال، أو تحديده على قدر طول الشفة العليا، مع كثافة أو بدونها.
كل هذه الأشكال نراها في الأفلام المصرية القديمة، والتي كان يقلدها شباب ذلك الزمان، فهناك شارب رشدي أباظة، وصلاح ذو الفقار، ويوسف فخر الدين، ومن سوريا دريد لحام، خاصة في دور «غوار الطوشة»، وزميليه ناجي جبر «أبو عنتر»، و رفيق السبيعي «أبو صياح»، ومن لبنان طوني حنا بشاربه الكثيف الطويل، صاحب أغنية «خلي الشوارب عا جنب».

طبعاً لا ننسى الفنان العالمي عمر الشريف، الذي احتفظ بشاربه حتى وفاته. ورغم تخلي كثير من الفنانين والشخصيات عن شواربهم، تماشياً مع الموضة، إلا أن ثمة من ظل محتفظاً بالشارب، مع تعديل طفيف، مثل عبادي الجوهر وعبد الله رويشد وأحمد عبد العزيز.

لم تقتصر ظاهرة الشنب وتطورها على العرب، بل هي ظاهرة عالمية إنسانية، اجتماعية وسياسية وفنية، فمن منا لا يتذكر شوارب سلفادور دالي، وهتلر، والجنرال امبروز بيرنسايد، وكلارك غيبل، والرئيس الأمريكي الأسبق، ويليام تافت، وجيفارا، وستالين.



شريط الأخبار