ضياء رشوان
في تقريره السنوي الأخير الصادر قبل ثلاثة أسابيع، فصل معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) الأكثر رصانة وشهرة، الوضع الحالي للأسلحة النووية عبر العالم. وقد أتت روسيا على قمة دول العالم امتلاكاً لرؤوس نووية بعدد 5459 رأساً، تتلوها الولايات المتحدة بعدد 5177 رأساً، ثم الصين بعدد 600 رأس.
وبعدها فرنسا بعدد 290 رأساً، ثم المملكة المتحدة بعدد 225 رأساً، وبعدها تأتي كل من الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، بأعداد غير موثقة ولا مؤكدة لكل دولة، إلا أنها تقدر ما بين عشرات إلى مئات الرؤوس النووية لكل منها.
وتعكس تلك الأرقام واقع التسليح النووي الحالي، منذ بدئه أثناء الحرب العالمية الثانية على يد الولايات المتحدة، التي كانت هي أيضاً الدولة الوحيدة في التاريخ البشري التي استخدمته مرتين في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 على مدينتي هيروشيما ونجازاكي باليابان.
والملاحظة الملفتة المهمة على تطور التسليح النووي وصولاً إلى وضعه الراهن، هي أن تسمية هذا التسليح «قوة ردع» للأطراف التي تمتلكه، ليس فقط عن استخدامه، بل وأيضاً عن الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة بين بعضها البعض.
فلم تدخل أي من الدول التسع التي تأكد امتلاكها للسلاح النووي أي مواجهة مع أي من الدول الأخرى، وكان الاستثناء الوحيد هو الهند وباكستان، اللتان دخلتا حربين تقليديتين واسعتين بعد حربهما الأولى عام 1947، في عام 1965 وبعدها عام 1971، والاشتباكات التي وقعت أخيراً قبل أسابيع عدة.
إذاً، فامتلاك السلاح النووي، على الأرجح وضمن عوامل أخرى بالتأكيد، كان أحد الكوابح المهمة التي حالت دول دخول الدول المالكة له في مواجهات عسكرية مع الدول الأخرى التي تمتلكه، وهو الأمر الذي يبدو أكثر لفتاً للأنظار في حالة الدولتين الأكثر تسليحاً نووياً والأقدم في هذا المجال، أي الولايات المتحدة والاتحاد الروسي.
فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى بدء تطبيق مختلف معاهدات الحد من الأسلحة الاستراتيجية والنووية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، امتلكت كل من الدولتين عشرات الآلاف من الرؤوس النووية، التي وصلت في النهاية بعد تخفيض أعدادها للأرقام المشار إليها في مقدمة هذا المقال.
وبالرغم من هذا، أو ربما بسبب هذا، فلم يحدث طوال هذه السنين أن جرت أي مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا (وقبلها الاتحاد السوفييتي) وبين الولايات المتحدة، على الرغم من حدة المواجهة السياسية والفكرية والاقتصادية وسباق التسلح بينهما لعقود طويلة.
وأدار البلدان ضد بعضهما ما سمي «الحرب الباردة» التي استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي.
وكان الاستثناء الوحيد «الساخن» خلالها هو أزمة خليج الخنازير عام 1962، عندما نشرت موسكو صواريخ نووية في كوبا الحليفة على الحدود الأمريكية، بينما وجهت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون صواريخهم النووية نحو موسكو.
وغير هذه الأزمة التي تم احتواؤها، فقد جرت الحروب بين واشنطن وموسكو بطريق الوكالة وبعيداً تماماً عن المواجهة العسكرية المباشرة. جرى هذا في الحرب بين الكوريتين الشمالية والجنوبية (1950 - 1953).
وفي الحرب الأمريكية في فيتنام (1956 - 1975)، والغزو السوفييتي لأفغانستان (1979 - 1989)، فضلاً عن الصراع العربي – الإسرائيلي الممتد، والحروب التي اندلعت في يوغسلافيا بعد تفككها في تسعينيات القرن الماضي.
وبعد كل هذه المواجهات بالوكالة بين أقوى دولتين في العالم نووياً بعيداً عن أراضيهما وعن القارة الأوروبية العجوز، أتت الحرب الروسية – الأوكرانية المتواصلة منذ أكثر من ثلاث سنوات، لتمثل تحدياً جديداً وحقيقياً لقدرة موسكو وواشنطن على استمرار تجنب المواجهة العسكرية المباشرة.
وحتى اللحظة، وعلى الرغم من التباين الواضح بين موقف إدارتي الرئيسين الأمريكيين جو بايدن ودونالد ترامب في التعامل مع هذه الحرب.
فالمؤكد المشترك بينهما هو أن كلاً من واشنطن وموسكو تبدوان ملتزمتين بالسعي لتجنب المواجهة العسكرية المباشرة، وحرص كل منهما على استخدام ما لديها من قدرات حربية هائلة، وخصوصاً النووية منها، فقط لما استقرت عليه سياساتها منذ امتلاك السلاح النووي، وهو الردع به للطرف الآخر بما يحول نهائياً دون مثل هذه المواجهة العسكرية المباشرة.