شريف بشارة
المستشفيات الخضراء... كيف تقود الإمارات ثورة الاستدامة في الرعاية الصحية؟
حلم شخصي للإمارات... لأنني أؤمن بأن الدولة التي تحمي بيئتها هي الأقدر على حماية صحة شعبها، عندما نتحدث عن الرعاية الصحية يتجه التفكير غالباً نحو العلاج، والتقنية، والأطباء. لكن في عالم اليوم، لم يعد هذا كافياً. السؤال الحقيقي أصبح:
هل يمكن أن نعالج الإنسان ونحن نرهق البيئة التي يعيش فيها؟
الرعاية الصحية تعد من أكثر القطاعات استهلاكاً للطاقة والمياه، ومن أكبر مصادر النفايات والانبعاثات الكربونية عالمياً، ومن هنا فإن حلمي للإمارات — بدافع حب عميق وإيمان راسخ برؤيتها — أن تكون الدولة التي تثبت للعالم أن الريادة الصحية والاستدامة البيئية مساران متكاملان لا ينفصلان.
1. لماذا المستشفيات الخضراء ضرورة وليست رفاهية؟
تشير الدراسات العالمية إلى أن قطاع الرعاية الصحية مسؤول عن نحو 4–5 % من الانبعاثات الكربونية العالمية، وتزداد هذه النسبة في الدول ذات المناخ الحار، بسبب الاعتماد الكبير على التبريد والتشغيل المستمر للمرافق.
المستشفيات تعمل 24 ساعة يومياً، وتستهلك كميات ضخمة من: الطاقة الكهربائية، والمياه، والمواد الطبية ذات الاستخدام الواحد، وأنظمة التعقيم والتهوية والنقل.
إذا لم تدار هذه المنظومة بوعي بيئي فإنها تتحول — دون قصد — إلى عامل خطر صحي طويل الأمد بدل أن تكون حاميته، لهذا تصبح المستشفيات الخضراء خياراً أخلاقياً ووطنياً لا مجرد توجه شكلي.
2. الإمارات والاستدامة... رؤية سبقت القطاع الصحي
لم تبدأ الإمارات حديث الاستدامة اليوم، فمن استراتيجية الحياد المناخي 2050، إلى مشاريع الطاقة المتجددة، إلى تشريعات البناء الأخضر، وضعت الدولة البيئة في صميم التخطيط الوطني، وحلمي — الذي أراه امتداداً طبيعياً لهذه الرؤية — أن تصبح: كل منشأة صحية جديدة في الإمارات منشأة خضراء ذكية منخفضة الأثر البيئي، وليس لأن العالم يطالب بذلك، بل لأن الإمارات اعتادت أن تقود قبل أن تطالب.
3. ما هو المستشفى الأخضر عملياً؟
المستشفى الأخضر ليس شعاراً، بل منظومة متكاملة تشمل: الطاقة، الاعتماد على الطاقة الشمسية والطاقة النظيفة، أنظمة إضاءة ذكية منخفضة الاستهلاك، إدارة طاقة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
المياه، إعادة استخدام المياه الرمادية، أنظمة ترشيد الاستهلاك، مراقبة ذكية للهدر والتسرب.
النفايات الطبية، فصل النفايات الخطرة عن غير الخطرة، تقليل البلاستيك أحادي الاستخدام، إعادة التدوير حيثما أمكن دون المساس بالسلامة.
التصميم المعماري، إضاءة طبيعية، تهوية صحية، مساحات خضراء داعمة للصحة النفسية، مواد بناء صديقة للبيئة.
4. الاستدامة ليست للبيئة فقط.. بل للمريض أيضاً
الدراسات تؤكد أن المستشفيات المصممة وفق معايير الاستدامة: تسرّع تعافي المرضى، وتقلل مستويات القلق والتوتر، وتحسن جودة النوم داخل المنشأة، وتخفض العدوى المكتسبة داخل المستشفيات، أي أن المستشفى الأخضر لا يحمي الكوكب فقط، بل يحسن نتائج العلاج، ويرفع جودة تجربة المريض.
وهنا يتجسد جوهر الحلم: بيئة تعالج الجسد... وتطمئن النفس... وتحترم المستقبل.
5. الاستدامة كفاءة اقتصادية لا عبء مالي
يعتقد أحياناً أن التحول الأخضر مكلف، لكن الواقع يثبت العكس. المستشفيات الخضراء تحقق: خفضاً في استهلاك الطاقة يصل إلى 30 %، تقليل استهلاك المياه بنسبة 20–40 %، انخفاضاً ملحوظاً في تكاليف التشغيل والصيانة، كفاءة أعلى في إدارة الموارد، أي أن الاستدامة استثمار طويل الأمد، لا تكلفة إضافية.
وحلمي أن تصبح الإمارات نموذجاً عالمياً يُدرّس في كيفية تحقيق جودة أعلى بتكلفة أقل عبر المستشفيات الخضراء.
6. الذكاء الاصطناعي... العمود الفقري للمستشفى الأخضر
لا يمكن تصور مستشفى أخضر دون الذكاء الاصطناعي: أنظمة تتنبأ بذروة استهلاك الطاقة، خوارزميات تضبط التكييف والإضاءة حسب الإشغال، إدارة رقمية للمخزون تقلل الهدر، رقمنة الملفات تقلل الورق والانبعاثات.
الإمارات، التي تقود التحول الرقمي الصحي إقليمياً، تملك كل المقومات لتكون الأولى عالمياً في المستشفيات الخضراء الذكية.
7. الإمارات قادرة... وهذا حلمي الشخصي لها
حلمي — بكل وضوح — أن يأتي يوم نقول فيه: كل مستشفى في الإمارات حاصل على اعتماد أخضر عالمي، وكل مشروع صحي جديد يلتزم بالاستدامة من التصميم إلى التشغيل، وكل مريض يشعر أنه في منشأة تحترم صحته.. وصحة أبنائه من بعده
هذا الحلم ليس بعيداً، بل هو امتداد طبيعي لرؤية قيادة آمنت بأن التنمية الحقيقية لا تدمر المستقبل.
المستشفيات الخضراء ليست ترفاً بيئياً، بل عنوان حضارة.
وحين تقود الإمارات هذا المسار، فهي لا تحمي البيئة فقط، بل تعيد تعريف معنى الرعاية الصحية الشاملة.
أن تعالج الإنسان، أن تحترم الأرض، أن تفكر في الأجيال القادمة..
تلك هي الإمارات التي نحبها، ونؤمن بأنها ستقود العالم صحياً وبيئياً معاً.
المقال القادم ( 12 - 15):
المريض شريك في الحوكمة الصحية... من العلاج إلى صنع القرار