عمر عبيد غباش
في السنوات الأخيرة، بدأت تبرز ظاهرة مقلقة في بعض المدارس الحكومية والخاصة، تتمثل في تنمر عدد من الطلبة المراهقين على معلميهم ومعلماتهم، سواء عبر السخرية والاستهزاء، أو من خلال التعدي اللفظي الصريح، وفي حالات أخطر وصلت إلى التعدي الجسدي على المدرسين والمشرفين التربويين. وهي ظاهرة دخيلة على مجتمعنا، وتشكل تهديداً حقيقياً لهيبة المدرسة ودورها التربوي، وتمسّ جوهر العملية التعليمية.المعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو ركيزة أخلاقية وتربوية، وانهيار مكانته داخل الصف ينعكس مباشرة على سلوك الطلبة وجودة التعليم.
وعندما يُسمح لطالب بتجاوز حدوده دون ردع واضح، فإن الرسالة التي تصله هي أن العدوانية مقبولة، وأن السلطة التربوية ضعيفة أو قابلة للتجاهل، وهو أمر بالغ الخطورة.
هذه الظاهرة لا تنشأ من فراغ، بل هي نتيجة تراكمات اجتماعية وتربوية، تبدأ من ضعف المتابعة الأسرية، وتمر بتساهل بعض الإدارات المدرسية خوفاً من الشكاوى أو فقدان السمعة، وصولاً إلى التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي التي تسهم أحياناً في تشويه صورة المعلم والنيل من مكانته.
كما أن بعض الطلبة يعانون اضطرابات سلوكية حقيقية، لا يمكن التعامل معها داخل الفصول الدراسية الاعتيادية. في عدد من الدول، تم استحداث مراكز إصلاحية تربوية أو مدارس بديلة مخصصة للطلبة الذين يصعب ضبط سلوكهم داخل المدارس التقليدية. هذه المراكز لا تقوم على العقاب فقط، بل تركز على إعادة التأهيل النفسي والسلوكي، من خلال برامج تربوية صارمة، يشرف عليها مختصون، وبشراكة فاعلة مع الأسرة. الهدف هو إنقاذ الطالب قبل أن يتحول إلى مشكلة اجتماعية كبرى. من هنا، تبرز الحاجة إلى معالجة عاجلة وشاملة لهذه الظاهرة، معالجة تتجاوز الحلول الإدارية المؤقتة، لتشمل تشريعات واضحة تحمي المعلم، وتحدد المسؤوليات، وتضع مساراً تربوياً وقانونياً خاصاً للطلبة الذين يثبت تعذر دمجهم سلوكياً في المدارس الاعتيادية.
فالتساهل اليوم هو أزمة الغد. إن حماية المعلم ليست ترفاً، بل هي حماية لمستقبل التعليم والمجتمع، وضمان لبيئة مدرسية آمنة، تُخرّج أجيالاً تحترم القيم، وتؤمن بأن الانضباط والاحترام أساس كل عملية تربوية ناجحة.