أ.د. محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء
«نحن دولة نتعلّم كلّ يوم، ومع كلّ درس نتعلّمه لا بدّ أن نأخذ قرارات نطوّر بها مستقبلنا، نعم نحن مغرمون بالمستقبل وبما يحمله، المستقبل يحمل تغييرات عظيمة في الصحة وطرق التعليم، وفي إدارة مدن المستقبل، وفي الخدمات الذكية، وفي التنقل المستقبلي، وفي الطاقة المتجددة، وفي الفضاء، ونحن وضعنا رهاننا في موجة التغييرات القادمة، واستثمرنا في أبنائنا، وتجربتنا مفتوحة للجميع للاستفادة منها» بهذه الكلمات المفعمة بروح الأمل، المتوهّجة بالثقة واستشراف المستقبل الجميل الذي ينتظر هذا الوطن الجميل، اختتم صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، المقالة الأخيرة من كتابه البديع «تأمّلات في السعادة والإيجابية»، والذي ظهرت طبعته الأولى عام 2017، وهو الكتاب الذي أثنى عليه صاحب السموّ الشيخ محمّد بن زايد آل نهيّان، رئيس الدولة، حفظه الله، بقوله: «أدعوكم لقراءته، ليست مجاملة، هذا من أجمل الكتب التي قرأتها»، لتكون تلك النظرات الثاقبة من صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم هي خير تعبير عن بصيرته النافذة في استشراف المستقبل والرهان على الأجيال القادمة، ولتظلّ الإمارات هي دولة المستقبل بكل كفاءة ومسؤولية واقتدار.
تأسيساً على هذه الرؤى الراسخة الواثقة بالمستقبل، نشر صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم تغريدة بديعة على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي أكّد فيها الإصرار على الدخول في المستقبل من خلال خطط طويلة المدى تنهض بها دولة الإمارات لكي تظل تواكب إيقاع العصر وعلومه وثقافته، وتتحمّل وزارة التربية والتعليم أعباء إعداد الأجيال القادمة ضمن ثقافة الذكاء الاصطناعي التي أصبحت هي مفتاح الفهم لهذا العصر المتسارع في التقدم والتطور والإبداع.
«ضمن خطط دولة الإمارات طويلة المدى في إعداد الأجيال القادمة لمستقبل مختلف، وعالم جديد، ومهارات متقدمة، اعتمدت حكومة الإمارات اليوم المنهج النهائي لاستحداث مادة «الذكاء الاصطناعي» في كافة مراحل التعليم الحكومي في دولة الإمارات من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر، بدءاً من العام الدراسي القادم بإذن الله»، ليس من المبالغة في شيء أن يُقال: إنّ هذه الكلمات التي افتتح بها سموه هذه التغريدة الثمينة هي بمثابة البشارة التي تمنح النفوس أملاً بالمستقبل المشرق الذي ينتظر أبناء هذا الوطن الذين تتولّى الدولة رعايتهم، وتعمل جاهدة في سبيل توفير أفضل السبل لإعدادهم وصقل شخصياتهم، وتدريبهم على جميع مكتسبات العصر العلمية والتقنية، وها هي الدولة تنتهي من اعتماد المنهج النهائي لاستحداث مادة «الذكاء الاصطناعي» الذي أصبح هو الرؤية المهيمنة على التفكير المعاصر في جميع الثقافات، سعياً من دولة الإمارات لإعداد أبنائها لزمن مختلف، وعالم جديد ومهارات متقدّمة لا ينفع معه إدارة الظهر لثقافة العصر وعلومه، بل يقتضي بذل أكبر الجهد لمواكبة فتوحات العقل العلميّ الحديث، حيث تغطّي هذه الخطط جميع المراحل الدراسية، ابتداءً من رياض الأطفال، وصولاً إلى انتهاء المرحلة الثانوية بحيث تضمن الخطة تواصل حلقات التعليم والتدريب والصقل لإعداد أجيال قادرة على مواجهة التحديات والدخول في قلب العصر والحداثة.
«نقدّر جهود وزارة التربية والتعليم في تطوير المنهاج الشامل، ونؤكّد بأنّ الذكاء الاصطناعي سيغيّر طبيعة الحياة التي يعيشها العالم»، وتقديراً للدور المركزي الذي تقوم به وزارة التربية والتعليم، وتنويهاً بالأعباء التي تتحمّلها في هذا السياق، خصّها صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم بهذه اللفتة الكريمة التي تثمّن الدور الريادي والجهد الكبير الذي بذلته هذه الوزارة في تطوير المنهاج الشامل الذي يواكب معطيات الذكاء الاصطناعي الذي سيكون له اليد الطّولى في تغيير نوع الحياة، وأنماط التفكير في الحياة القادمة.
«هدفنا تعليم أطفالنا وأجيالنا الفهم العميق للذكاء الاصطناعي من الناحية الفنية، وترسيخ وعيهم أيضاً بأخلاقيات هذه التكنولوجيا الجديدة، وتعزيز فهمهم لبياناته، وخوارزمياته، وتطبيقاته، ومخاطره، وكيفية ارتباطه بالمجتمع والحياة»، في هذا الجزء من التغريدة يؤكّد صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم أنّ مواكبة العصر بعلومه وتطبيقاته ليست ترفاً ورغبة مجرّدة عن المنافع والمصالح، بل هي في قلب المصلحة العامّة للأجيال التي تستحق أن تكون مواكبة لعلوم عصرها، وهذا هو الهدف الكبير الذي جزم به سموه: تعليم الأجيال وتمكينها من الفهم العميق للذكاء الاصطناعي من الناحية الفنية، فضلاً عن ترسيخ القيم الأخلاقية بطبيعة هذه التكنولوجيا التي يُتوخّى منها أن تكون في خدمة الإنسان، ولن يتحقّق ذلك إلا بالفهم الصحيح العميق لبيانات هذا العلم وخوارزمياته وتطبيقاته ومخاطره ومدى إسهامه في خدمة المجتمع والحياة، فصاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم وببصيرته النافذة لا يغفل مطلقاً عن المخاطر التي قد تشتمل عليها التطبيقات العلمية الحديثة، ولذلك لا بدّ من تفحّص محتواها، واختبار مواءمتها لثقافة الشعب الإماراتي لكي تمضي الأجيال على بصيرة ورشد وهي تواجه هذا النمط الجديد من المعارف الحديثة.
«مسؤوليتنا هي تجهيز أطفالنا لزمن غير زماننا، وظروف غير ظروفنا، ومهارات وقدرات جديدة تضمن استمرار زخم التنمية والنهضة في بلادنا لعقود طويلة قادمة بإذن الله»، وبهذه الكلمات المتوهّجة بحسّ المسؤولية يختتم سموه هذه التغريدة التي تنطوي على شعور عميق بالمسؤولية تجاه أطفال الوطن وأجيال المستقبل القادمة الذين يتمّ تدريبهم وإعدادهم لزمن مختلف في معطياته عن زماننا الحاضر، ولمواجهة ظروف هي بكلّ تأكيد مختلفة عن ظروفنا وما تقتضيه من مهارات تختلف في طبيعتها وجوهرها عن مهاراتنا، وقدرات تتحمّل مسؤولية ضمان استمرار زخم التنمية ووتيرة النهضة التي تنعم بها دولة الإمارات منذ إطلالة شمسها في سماء الحياة، وهو ما تحتاج إلى التأكيد عليه من أجل الحياة القادمة التي يستحقّها هذا الوطن الطيّب المعطاء.