محمد خلفان الصوافي
دعت الإمارات المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف موحد ضد استخدام السيادة ذريعة لتبرير التجويع أو عرقلة المساعدات الإنسانية، فالمدنيون في السودان يستحقون الحماية والدعم.
والموقف الإماراتي الرافض للتحجج بالسيادة لم يأتِ من فراغ قانوني، أو أنه دون أساس عرفي في العلاقات الدولية؛ وإنما مبني على فهم الإمارات للمتغيرات الحاصلة في القانون الدولي الإنساني، ووفق عرف دولي تم ممارسته من قبل المنظمات الدولية في عدد من الأزمات الإنسانية في العالم، وبالتالي فالأساس الذي تنطلق منه الدبلوماسية الإماراتية حقيقي ومتين، ويتماشى مع القانون الدولي.
وعادة ما تبرز جدلية السيادة الوطنية في العلاقات الدولية في الأزمات الداخلية أو الحروب الأهلية كما هو الحال في السودان حالياً، ولكن كان أكثر انتشاراً خلال فترة الحرب الباردة، حيث يستخدم أحد أطراف الصراع مبدأ السيادة الوطنية كذريعة لمنع التدخل لتقديم المساعدات الإنسانية.
إلا أن هذا الجدل حُسم بنهاية الحرب الباردة بناء على المطالبات الحقوقية الدولية لسببين اثنين. السبب الأول: كثرت الصراعات الداخلية والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية من قبل بعض النظم السياسية وكذلك بسبب انتشار اضطهاد الأقليات وانتهاك حقوقهم الإنسانية.
السبب الثاني لتآكل مفهوم السيادة الوطنية مقابل التدخل الدولي: أن مسألة الاهتمام بحقوق الإنسان زادت بطريقة كبيرة حتى فقد المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية مكانته، حيث كانت بعض الأنظمة العسكرية .
كما هو وضع السودان تعتقد أن من حقها «تجويع» شعبها أو ممارسة جرائم القتل، لهذا فإن مطالب الإمارات بالدولة المدنية مبني على مطالبة السودانيين لها. الأمر الذي أدى إلى تطوير الممارسات الدولية ضد مثل تلك الأنظمة ووصل إلى إمكانية معاقبة مرتكبي جرائم الحرب من المسؤولين والسياسيين كما هو حال مذابح البوسنة والهرسك. وبالتالي فلم يعد مجدياً مسألة التخفي وراء مبدأ السيادة بهدف منع المساعدات الإنسانية.
مبدأ التدخل الدولي من أجل تقديم المساعدات الإنسانية لمنع الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان هو واحد من أصل ثلاث حالات تقرها القانون الدولي، وقد أقرت تلك المبادئ من أجل منع التعلل بعض الأنظمة بالسيادة وبتحريم المنظمات الدولية التدخل في شؤونها كي لا تقدم المنظمات الإنسانية مساعداتها. وهناك حالات تم التدخل لوقف المجازر الإنسانية فيها واحدة منها حالة رواندا، حيث نشبت حرب بين قبيلتي الهوتو والتوستي في عام 1991 تطلب التدخل الدولي لوقف المجازر الإنسانية ضد التوتسي.
المثال الآخر، حالة غزة، حيث أصرت حكومة بنيامين نتانياهو على منع المساعدات الدولية من غذاء ومواد طبية، الأمر الذي أعطى لجمهورية جنوب أفريقيا بأن ترفع قضية في المحكمة الجنائية الدولية ضد الحكومة الإسرائيلية خلال فترة حرب غزة تحت بند اتباع سياسة «التجويع»، الأمر الذي أدى لأن يصدر دولياً حكم باعتقال بنيامين نتانياهو وبعض مسؤولي حكومته.
وقد أيدت العديد من دول العالم ذلك الحكم وأبدت استعدادها لاعتقال نتانياهو إن دخل بلادها، بل إن تلك السياسة التجويعية لحكومة إسرائيل تسببت لأن تكسب القضية الفلسطينية تعاطفاً دولياً كبيراً وأسهمت في رفع المطالب الدولية لحقوق الفلسطينيين.
مسؤولو الجيش السوداني وهم يطالبون ببعض الإجراءات الدولية يغيب عنهم الإدراك بأن بعض القضايا الإنسانية قد تجلب عليهم ردود الفعل الدولية إن ركزت عليهم المنظمات الدولية، وسلط الإعلام الضوء على ما يفعلونه على الأرض، وبالتالي قد تحدث ردود الفعل الشعبية العنيفة عليهم كما حدث على نتانياهو.
السؤال هنا، لماذا لا يطالع مسؤولو الجيش السوداني الحالات الدولية كأمثلة ونماذج في تحولات الظواهر السياسية لقراءة الواقع بشكل صحيح، بدلاً من الإصرار على الخطأ؟