جمال الكشكي
العالم يعيش لحظة استثنائية؛ حزام القلاقل يلف أرجاء الخرائط، اللحظة وفق المعطيات والتشابكات الحالية تشبه عشية اندلاع الحرب العالمية.. مخاوف كبيرة من توسعة الحرب في الإقليم العربي.زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة العربية، منتصف شهر مايو الجاري، تحمل العديد من الحسابات والدلالات المهمة في هذا التوقيت.
ساكن البيت الأبيض، اختار الإقليم العربي دون غيره في أولى جولاته الخارجية، بعد فوزه بالولاية الثانية، نظراً للأهمية الاستراتيجية الكبرى لموقع الإقليم العربي، وارتباط هذه الأهمية بحسابات ومصالح الرئيس الأمريكي.
ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة الآن: لماذا اختار ترامب أن تكون قِبلته الأولى هي الإقليم العربي؟
من دون شك أن ترامب في هذا التوقيت، لديه ملفات عديدة عالقة يريد حسمها سريعاً وبقوة، حتى لا تصطدم مع جدول أعماله الداخلي والإقليمي والدولي، ففي مقدمة هذه الملفات العالقة، تلك الملفات الاقتصادية المرتبطة بالداخل الأمريكي، لا سيما أنه صاحب شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، ذلك الشعار الذي يتطلب التفكير خارج الأطر التقليدية، والبحث عن آفاق جديدة، تزيد من الوزن النسبي لأمريكا وسط قوى صاعدة أخرى بات لها نفوذ يهدد عصر الهيمنة الأمريكية ومفهوم القطب الواحد.
الإقليم العربي هو الورقة الرابحة في ترجيح كفة أحد المتنافسين، ترامب يدرك ذلك جيداً، ويعي القيمة السياسية والجيوسياسية للمنطقة العربية، كونها حلقة الوصل في سلاسل الإمداد البرية والبحرية بين الشرق والغرب، وتمتلك نحو 40% من النفط والغاز، وتشرف على الممرات البحرية الأهم في العالم، ناهيك عن أنها يمكن أن تشكل سوقاً واسعة للبضائع الأمريكية، بما يحقق مفهوم ترامب في زيادة الصادرات وتأمين مصادر مستدامة في الطاقة.
يأتي الملف الثاني ليتعلق بالتشابكات والتعقيدات الإقليمية التي نشأت أثناء غياب ترامب عن البيت الأبيض خلال السنوات الأربع الماضية. في مقدمتها الانتظار الطويل لشعوب الشرق الأوسط بشأن سرعة إيقاف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ومحاولة إنهاء الصراع باتفاق شامل وعادل يضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي ذات السياق فإنه من الضروري أن يتم احترام سيادة الدولة اللبنانية، وتنفيذ القرار 1701 بشأن خروج إسرائيل الكامل من الجنوب اللبناني، ومنعها من الاعتداء المستمر على السيادة اللبنانية. وكذلك على الساحة السورية، فالمطلوب أن تعود إسرائيل إلى اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974، برعاية دولية، وتخرج إسرائيل من الجنوب السوري، وتمتنع عن الاعتداءات على السيادة السورية.
من جانب آخر هناك ملف مزمن وشائك، وهو الملف النووي الإيراني، الذي يتم التفاوض عليه الآن، بين واشنطن وطهران بوساطة عمانية، وإيطالية، بهدف الوصول إلى حل نهائي لهذا الملف الذي جرى ترحيله منذ ولاية ترامب الأولى، وهو الذي اختار التفاوض بدلاً من الحرب على عكس رغبة بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو المسار الذي يطابق رغبة الإقليم العربي في الاستقرار وعدم توسيع الحرب.
إن مصلحة ترامب هنا في كل هذه الملفات المشتعلة، هي إطفاء النيران وتبريد الصراعات لتقديم نفسه كرجل سلام، لتحقيق حلمه بالحصول على جائزة نوبل للسلام، كما حظي بها باراك أوباما، الذي - واقعياً - لم يفعل شيئاً للمنطقة، فضلاً عن أن ترامب بهذه الجولة إلى الإقليم العربي، يحاول منافسة الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي، الذين لديهم مصالح قوية أيضاً بالإقليم، ومن ثم فإن ترامب يريد شراكة قوية جداً في المنطقة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية.
أيضاً من بين دلالات اختيار ترامب للإقليم العربي كقِبلة أولى، هو أن بعض عواصم الإقليم، هو دورها الكبير في تحقيق السلام العالمي، حيث أصبحت المكان المفضل للتفاوض السياسي، والحوارات بين المتنافسين والمتصارعين، ورأينا كيف استضافت الرياض، العاصمة السعودية، مفاوضات بين واشنطن وكييف، وبين موسكو وواشنطن، بهدف إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، وأيضاً تابعنا المفاوضات غير المباشرة في مسقط بين أمريكا وإيران بهدف التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.
وكذلك لعبت الإمارات، دوراً كبيراً في إبرام عدد من الصفقات حول الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، كل هذه الأدوار التي يقوم بها الإقليم العربي، تزيد من إقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتعميق الشراكة العربية - الأمريكية.
وسط أحلام ورغبات ترامب في تحقيق مصالحه الكبرى، لا بد علينا - نحن العرب - استثمار هذه الفرصة، والمطالبة بتحقيق السلام العادل والشامل والاستراتيجي بإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وتوصيل رسالة إلى الرئيس ترامب بأنه من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، فلن يكون هناك استقرار وسلام في الشرق الأوسط.، ،فضلا عن أن التأزيم المتلاحق يهدد أمن المنطقة.