عماد الدين حسين
هل هناك عداء بين ترامب وغالبية الجامعات الأمريكية ومن سيحسم معركة تحدي الإرادات؟هل هناك حالة من العداء بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وغالبية الجامعات الأمريكية، خصوصاً الكبرى منها، ومن الذي سيتمكن من حسم معركة تحدي الإرادات الدائرة حالياً؟!
الصراع موجود، والعداء صار مكشوفاً، والاستهداف لم يعد خافياً على أحد، خصوصاً من طرف الرئيس ترامب. نعلم أن العديد من الجامعات الأمريكية، خصوصاً المرموقة منها، مثل كولومبيا وهارفاد وييل، شهدت العديد من أنواع الاحتجاجات والاعتصامات ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023.
إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، لم تكن راضية عن هذه الاحتجاجات، واعتبرتها مثيرة للفوضى، وقال بايدن نفسه في مايو 2024، إن احتجاجات طلاب الجامعات تضع الحق في التعبير وسيادة القانون على المحك، ويجب التمسك بكليهما. وكان بايدن واضحاً أن هذه الاحتجاجات لن تدفعه إلى إعادة النظر في سياساته المؤيدة لإسرائيل، منتقداً ما أسماه معاداة السامية.
لكن من المهم الإشارة إلى أن بايدن رفض نظرياً تدخُل الحرس الوطني للسيطرة على الاحتجاجات، في حين أن الشرطة تدخلت لفض أكثر من احتجاج أو اعتصام في العديد من الجامعات، ووصل عدد المعتقلين إلى أكثر من ألفي شخص حتى الأول من مايو من العام الماضي، في أكثر من 40 جامعة أمريكية.
كان كثيرون يعتقدون أن ما فعلته إدارة بايدن ضد الطلاب وضد الجامعات، لا يمكن أن يتكرر، حتى جاء ترامب، ليصل بالأمور إلى نقطة لم يتخيلها أحد.
الإدارة وبمساعدة من اللوبي اليهودي، حصلت على قوائم بأسماء كل أو أغلب المحتجين ضد السياسات الإسرائيلية، وقررت ترحيل غير الأمريكيين منهم، كما حدث مع حالتين في جامعة كولومبيا، الأولى لطالب الدراسات العليا من أصل فلسطيني محمود خليل، والثانية لمحسن مهدواي، الذي اعتقل خلال مقابلة للحصول على الجنسية الأمريكية، في أبريل الماضي.
لكن القرار الأخطر على الإطلاق، هو إعلان إدارة ترامب في منتصف أبريل الماضي، تجميد 2.2 مليار دولار من المنح، و60 مليون دولار من قيمة العقود المخصصة لجامعة هارفارد، لأنها لم تلتزم بما طلبته إدارة ترامب، خصوصاً تغيير عدد كبير من سياساتها، وإجراء تعديلات في البرامج والمناهج الدراسية، لمكافحة ما تعتبره الإدارة معاداة السامية، وحظر ارتداء الأقنعة في الاحتجاجات، وإلغاء برامج التنوع والمساواة والشمول، ووقف الاعتراف ببعض المنتديات الجامعية، وإجراء إصلاحات إدارية وقيادية شاملة في الجامعة، وإخضاع برامجها الأكاديمية للتدقيق، والأهم التعاون الكامل مع وزارة الأمن الداخلي المسؤولة عن إنفاذ سياسات الهجرة، وإطلاعها على أسماء وأفكار وآراء المقبولين والموظفين والأساتذة السياسية، ومن لا ينفذ هذه السياسات، لن يحظى بالدعم والمنح والتمويل الفيدرالي.
رئيس جامعة هارفاد، آلان غاربر، رفض كل مطالب الإدارة، وقال بوضوح: «الجامعة لن تتنازل عن استقلاليتها وحقوقها الدستورية، ولا يمكن قبول أن تملي علينا الإدارة ما يمكن للجامعات تدريسه أو قبوله أو توظيفه، والحكومة لا يمكنها أن تحدد أي صلة منطقية بين المخاوف المتعلقة بمعاداة السامية، وبين الأبحاث الطبية والعلمية والتكنولوجيا، وغيرها من الأبحاث التي جرى تجميدها، ومنها ما هو مخصص لإنقاذ حياة الأمريكيين، وضمان مكان أمريكا كقائدة عالمية في الابتكار».
ترامب رد على إدارة هارفارد بقوله: «لم يعد من الممكن اعتبار هارفارد مكاناً لائقاً للتعليم، ولا ينبغي إدراجها في أي من قوائم أفضل جامعات أو كليات العالم، هي مجرد مهزلة تعلم الكراهية والغباء، ولا ينبغي أن تتلقى تمويلاً فيدرالياً بعد الآن».
ونتذكر أن ترامب في ولايته الأولى، قرر في يوليو 2020، منع الطلاب الأجانب من البقاء في الولايات المتحدة، إذا كانت دراستهم ستجرى بالكامل عبر الإنترنت، ووقتها تقدمت كل من هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (Mit)، بدعوى قضائية لإلغائه، ما أجبر الإدارة على التراجع. وهذا القرار كان سيؤثر في 1.1 مليون طالب دولي، نصفهم في هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وبسبب سياسات إدارة ترامب، تقدمت 180 جامعة أمريكية بدعاوى وبيانات احتجاج رسمية، ضد سياسات الإدارة المتعلقة بالتعليم والصحة، وهناك استطلاعات رأى تقول، إن 77 % من أعضاء هيئات التدريس في الجامعات الكبرى، عارضوا علناً سياسات ترامب.
ونتذكر أيضاً أن ترامب وقّع على أمر تنفيذي في ولايته الثانية، بإلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب الذين شاركوا في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، ووصفهم بأنهم متعاطفون مع «حماس»، ومعادون للسامية، وأمر وزارة العدل بملاحقتهم، حتى لو لم يرتكبوا أي جرم، فهو يرى أن احتجاجاتهم تهدد السياسة الخارجية الأمريكية.
نيكولاس بوي الأستاذ بكلية الحقوق في هارفاد، قال إن ما يطلبه ترامب ليس سوى أمر استبدادي، وهو يخير الجامعات، إما أن تقبل بقمع حرية التعبير وتغيير المناهج الدراسية وإبعاد كل المعارضين، أو قطع التمويل الفيدرالي.
في المجمل، فإن القضية ليست فقط مجرد خلاف في الرأي بين ترامب وإدارته، وبين غالبية الجامعات الأمريكية، فالأخيرة من القلاع التقليدية للتيار الليبرالي واليساري المعارض لسياسات ترامب، وبالتالي، فهو يرى في هذه الجامعات خطراً كبيراً، رغم أن وجهة نظر أخرى تقول، إن هذه الجامعات هي درة تاج القوة الناعمة الأمريكية، حيث يقبل عليها الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء العالم، وبسببها تفوقت أمريكا في الريادة والابتكار والبحث العلمي في جميع المجالات.
القضية لم تنتهِ، ومرشحة لمزيد من الجدل والصراع، وستسعى جهات كثيرة لاستقطاب الباحثين الذين سيغادرون الولايات المتحدة. والسؤال الأهم، من الخاسر ومن الرابح في هذه المعركة؟.