د. عبدالله المدني
لم يكن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون مبالغاً، حينما قال في أواخر التسعينيات، إن جنوب آسيا هو أخطر مكان على وجه الأرض. ففي هذه المنطقة تتواجه دولتان (الهند وباكستان) نوويتان، بينهما عداء تاريخي وأيديولوجي مستحكم منذ عام 1947.ونزاع مذاك على الأراضي والمياه، وتاريخ طويل من الصدامات العسكرية، التي أشعلت حتى الآن ثلاث حروب ونصف (النصف هنا إشارة إلى حرب كارغيل في صيف عام 1999، التي اقتصر ميدانها على مرتفعات كارغيل وخط التماس بين قوات البلدين في كشمير).
هناك تحرك لميليشيات وتنظيمات إسلامية كشميرية مسلحة، لعل أبرزها جماعة «عسكر طيبة» المدرجة على قوائم الإرهاب في الهند وبعض الدول الغربية، من أجل تحرير الأجزاء الواقعة من كشمير تحت السيادة الهندية. والتي اعتاد الهنود على تحميلها مسؤولية أي خروقات أو اعتداءات.
نقول هذا، توطئة للحديث عن الهجوم الذي قام به مسلحون، يشتبه بأنهم كشميريون متطرفون، يوم 22 أبريل المنصرم، في منتجع باهالغام الكشميري الخلاب، وأدى إلى مقتل 26 سائحاً. وهو الحدث الذي قاد إلى توتر الأوضاع مجدداً بين الجارتين اللدودتين، وتبادل الاتهامات، مع حشد كل منهما لجيوشه في مواجهة الآخر.
والحقيقة أن آخر ما يحتاجه العالم في هذه الظروف الدولية المعقدة، هو اندلاع حرب جديدة في جنوب آسيا، تخلط الأوراق، وتوقع الضحايا، وتؤخر التنمية، وتقطع سبل المواصلات، وتؤخر سلاسل الإمدادات، وتزيد إنهاك الاقتصاد الباكستاني.
لكن الذين ارتكبوا مذبحة باهالغام ــ أياً كانوا ــ كانت لهم حسابات ودوافع مختلفة، منها إعادة قضية كشمير إلى الواجهة، دون تقدير للتبعات الكارثية، خصوصاً أن كشمير توارت كثيراً إلى الخلف في السنوات الأخيرة، ولم تعد على قائمة الاهتمامات الدولية.
ومما لا شك فيه، فإن تفاقم الأوضاع بين الهند وباكستان، واحتمال دخول البلدين في حرب جديدة، أقلق ويقلق العالم، الذي لا يعيش اليوم أوضاعاً سوية، ويواجه معضلات وأزمات سياسية غير مسبوقة في فلسطين وأوكرانيا، وأزمات بيئية ومناخية ومائية، وحرباً تجارية بين الصين والولايات المتحدة، وتهديدات ضد حركة الملاحة العالمية من قبل الحوثيين في اليمن.
وبعبارة أخرى، فإن أي مواجهة عسكرية في جنوب آسيا، ستكون لها آثار سلبية في الأسواق والتجارة والعملات وطرق المواصلات ومعدلات النمو والتوجهات الاستثمارية.
خصوصاً إذا ما استحضرنا حقيقة أن الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم، وقوة سوقية ناشئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأحد أهم موردي النفط العالميين، وأحد أهم منتجي البرمجيات على مستوى العالم.
وبالمثل، فإن الآثار السلبية ستكون أكثر وقعاً على باكستان، صاحبة الاقتصاد الهش المثخن بالتضخم والديون والروبية الضعيفة، ما يجعلها في حاجة ملحة لمساعدات مالية خارجية ضخمة، من حليفها الصيني، أو من الجهات الدولية المانحة.
ولعل قلق العالم من حرب محتملة، يبدو أكثر وضوحاً، إذا ما تذكرنا أن الحروب الباكستانية ــ الهندية السابقة، تمّ احتواؤها بتدخلات دبلوماسية من قبل موسكو أو واشنطن أو بكين، لكن المشهد الجيوسياسي الحالي، أكثر تشتتاً من ذي قبل، مع انشغال الروس بحربهم في أوكرانيا.
وانشغال الأمريكيين بصراعاتهم الداخلية، وانشغال الصينيين بحماية تجارتهم وصناعاتهم ونفوذهم في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي، ما يعني أن شبكات الأمان الدبلوماسية السابقة، التي أوقفت الحروب، أو منعت توسعها، لم تعد موجودة.
بل يمكن القول إن انفجار الأوضاع مجدداً في منطقة ذات أهمية استراتيجية كبرى، كجنوب آسيا، سوف يلغي أو يبطئ أو يؤجل خططاً ومفاوضات، قد تكون في طريقها لحلحلة مشاكل إقليمية أو دولية مستعصية.
ولنتذكر في هذا السياق، ما حدث في المنطقة نفسها من اقتتال وصراع في عام 1971، والذي بسببه أجّل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، خططه حول «سنة الحسم».