عبدالعزيز سلطان المعمري
عندما يختار رئيس الولايات المتحدة، الدولة العظمى في العالم، أن تكون دولة الإمارات إحدى محطاته الأولى في أول جولة رئاسية خارجية له في ولايته الثانية، فيجب علينا أن نعلم أن هذا ليس ترفاً دبلوماسياً، ولا حتى مجاملة بروتوكولية لدولة صديقة أو حليفة، بل هو إعلان أن دولة الإمارات لم تعد فقط مركزاً اقتصادياً أو بوابة استثمارية في المنطقة، بل أصبحت مركزاً استراتيجياً، من خلاله يُعاد بناء الشراكات وإعادة صياغة العلاقات الدولية بمفهوم جديد في النظام العالمي الجديد.
زيارة دونالد ترامب للإمارات لم تكن زيارة بروتوكولية أو مجاملة سياسية، بقدر ما كانت لحظة تحوّل في العلاقات الأمريكية – الخليجية بشكل عام، والإماراتية بشكل خاص، لكن بمنطق جديد، ألا وهو منطق التحالفات الذكية.
نجحت زيارة ترامب في تحقيق نتائجها، من خلال توقيع صفقات واستثمارات تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات، تستفيد منها الدولتان، حيث سيتم إنشاء مجمع للذكاء الاصطناعي، يستفيد منه نصف سكان العالم، ومثل هذه الاتفاقيات تعزز من جهود دولة الإمارات في التحول الرقمي.
أما في الجانب السياسي، فبعد سنوات من تردد بعض الإدارات الأمريكية السابقة، ومحاولاتها بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، جاء الرئيس ترامب، ليس لملء الفراغ، أو لتعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة، بل جاء ليعزز من علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي، التي تمتلك قيادات صاحبة رؤية واضحة، ولديها شعوب واعية، وهنا تتوافق وتتلاقى المصالح الوطنية للطرفين، وتتوافق الرؤى بينهم.
من تابع تفاصيل زيارة ترامب، سيجد أنه لا يُخاطب دولة الإمارات كدولة صديقة فقط، بل كشريك موثوق في الاستثمار والتعاون السياسي والاقتصادي والأمني، هنا يمكننا القول إن العلاقات الإماراتية والأمريكية، تنتقل إلى «الجيل الثالث من العلاقات الثنائية» بين البلدين. فمن النفط إلى الخبرات الاقتصادية والدفاعية. وصلت العلاقة اليوم لأن تكون شراكة في صناعة المستقبل.
دولة الإمارات كانت من أوائل الدول التي وضعت استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، واستحدثت وزارة خاصة به. لم تنتظر التغير، بل تصنعه وتقوده. عندما تستثمر الإمارات في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والابتكار، فهي بذلك تنتقل إلى المستقبل، وتصنعه وتؤثر فيه.
الولايات المتحدة لا تتحالف من أجل التحالف، بل تبني شراكات ترتكز على المصلحة والفائدة والجدوى. لذا، فإن نظرة واشنطن إلى الإمارات تطورت، من كونها شريكاً في تحقيق الاستقرار الأمني الإقليمي، إلى شريك في بناء بنية العالم الرقمي الجديد، وشريك في صناعة المستقبل.
القوة اليوم ليست فقط في الجيوش والترسانة العسكرية، بل في المعطيات، والخوارزميات، والبنى التحتية الرقمية. لذلك، كان من الطبيعي أن تكون الحوارات والصفقات حول الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والابتكار.
زيارة الرئيس الأمريكي زيارة استراتيجية، وستبقى في الذاكرة الدبلوماسية. لأنها أسست تحالفاً وشراكة نوعية، مبنية على الاحترام والمصالح والاستثمار في المستقبل، من خلال الصفقات والمشاريع والقطاعات النوعية. إذن، هي مرحلة جديدة من إدارة العلاقات الدولية، يُكتب فيها اسم دولة الإمارات كدولة تصنع الحدث، لا تنتظر حدوثه.
كما أن الزيارة بعثت رسائل عدة، الرسالة الأولى: مَن يملك الرؤية والمصداقية والبنية التحتية والثقة، يستطيع أن يكون حليفاً وشريكاً للولايات المتحدة. الرسالة الثانية: دولة الإمارات بقيادتها ورؤيتها، تتحول إلى نقطة توازن، ليس في الإقليم فقط، بل في النظام الدولي الآخذ في التحوّل والتشكل.
دولة الإمارات ليست حليفاً تقليدياً، هي شريك يُصاغ ويُصنع معه المستقبل، ومن يفهم منطق العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية والاقتصاد العالمي، يدرك أن الإمارات أصبحت رقماً لا يمكن تجاوزه، ليس في المعادلة الأمريكية، بل في المعادلات العالمية.