جوزف ناي يغادر عالمنا

د.البدر الشاطري
غيب الموت جوزف ناي المفكر الأمريكي عن عمر ناهز الثامنة والثمانين عاماً. أسهم ناي في العلاقات الدولية بشكل كبير، وقد مارس ودرّس العلاقات الدولية، وقضى ما يربو على الستة عقود كأستاذ للعلاقات الدولية في جامعة هارفرد الشهيرة.
وعمل في وزارة الدفاع مساعداً لوزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، إضافة إلى تعيينه في الخارجية والمجتمع الاستخباراتي والذي ترأسه ذات يوم. وقد وصفته مجلتا «التايم» و«يوس نيوز» كعضو في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية.

مساهمات ناي الأكاديمية متعددة، حيث أسّس مدرسة مع زميله روبرت كوهين عُرفت بالمدرسة الليبرالية الجديدة. وترى هذه المدرسة إمكانية التعاون بين الدول رغم انعدام سلطة مركزية تنسق بينها بسبب تطور مؤسسات وأعراف وأنظمة تتوسط في موازنة المصالح المختلفة والمتضاربة للدول. ولعل هذا التوجه الليبرالي الجديد أفضى إلى مفهوم والذي اشتهر به وهو «القوة الناعمة»، وأصبح هذا المفهوم قريناً باسم ناي.
كان القرن الذي عاش فيه ناي شاهداً على الكثير من الأحداث، من صعود «الفاشية» والحرب العالمية الثانية، وصعود الولايات المتحدة كقطب رئيس في الساحة الدولية، وصعود القطب المنافس، الاتحاد السوفيتي والذي مَثّلَ نموذجاً ونظاماً بديلاً للنظام الليبرالي السياسي واقتصاد السوق الحر.
وعاش الكاتب في عصر ما بعد الحرب الباردة؛ حيث برزت الولايات المتحدة كالقطب الأوحد والتي خلقت ثقة مفرطة في إرادة وقوة واشنطن ـ كما يقول الكاتب ـ أدّت إلى ما أدَّت إليه من كوارث.
ويشكك المنظر الكبير بالقول بحتمية انحدار الولايات المتحدة، وأن الصين ستحل محل الولايات المتحدة قول فيه وجهة نظر. ولا يزال سؤال، من سيكون القطب الرئيس في العالم، يحتاج إلى جواب.

ويقول إنه كأكاديمي انشغل بدور الولايات المتحدة وبقوتها في تاريخ العالم، وإنه قضى حياته يحاول أنْ يفهم ويفسر موقع الولايات المتحدة في العالم. هَمٌّ ظَلّ يحمله الكاتب كأستاذ أكاديمي أطبق شهرته عنان السماء وكمشارك في صنع سياسات الولايات المتحدة الأمنية والخارجية.
بالنسبة لناي، فإن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على ضمان أمن واستقرار النظام الدولي، والسبب يعود للقوة الهائلة لدى واشنطن والذي يعطيها القدرة على تقدم الخدمات العامة الدولية.
كما تفعل الدول في الداخل. من ضمن ما تقدمه الولايات المتحدة ـ حسب تفكير ناي ـ نظام أمنى دولي، حيث تمتلك قوة عسكرية لا تضاهى، ونظام مالي عالمي مستقر نسبياً، وتأمين خطوط الملاحة الدولية بأساطيلها التي تجوب أعالي البحار.

وقد ألف ناي عدة كتب حول السياسة الدولية تصل إلى الثمانية عشر كتاباً، ومن أبرز هذه الكتب «القوة الناعمة: أسباب النجاح في السياسة العالمية»، ومع روبرت كوهين «القوة والاعتماد المتبادل:
السياسية العالمية في مرحلة انتقالية»، «وتناقض القوة الأمريكية» وكتاب مؤخراً حول الأخلاق والسياسة الدولية. وقد انبرى ناي بكتابة سيرته بعد أن بلغ السبعة والثمانين عاماً (مواليد 1937) بعنوان «حياة في قرن أمريكي».

والذي نشر العام المنصرم 2024. وهي قصة حياته والتي أخذت مجراها فيما يسميه القرن الأمريكي؛ حيث أصبحت خلاله الولايات المتحدة القوة الأعظم المسيطرة على مجريات الأمور الدولية.

ولكن سيبقى اسم ناي مرتبطاً بالقوة الناعمة التي هي من أهم المساهمات في تاريخ العلاقات الدولية، وتتسابق الدول هذه الأيام لتعزيز قوتها الناعمة. وقد أدخل ناي مفهوماً آخر مع تطور الأحداث العالمية، ونحت مفهوماً جديداً، وهو القوة الذكية. المفهوم الأخير يشير إلى مزج القوة الناعمة والقوة الصلبة والتخيير في استخدام القوتين لتحقيق الأهداف المرجوة للدول.



شريط الأخبار