محمد بن راشد؛ فارس الشعر في طريق الحرير

أ.د. محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء
قبل أكثر من ستة وأربعين عاماً، وتحديداً في نهاية السبعينيّات، كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يحمل ملفاً متكاملاً حول التصورات المستقبلية لمدينة دبي، لكي يضعه بين يدي والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي آنذاك، رحمه الله، وبعد حديث مركّز بين القائدين ظفر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بكلمة التشجيع والرضا الكبرى في ثقافة الحكم ( الناموس ).
حيث كان الملف يشتمل على خطة جريئة تقترب أحياناً من الأحلام، لكي تكون دبي المدينة الكبرى في طريق الحرير الجديد، وكانت تلك الفكرة عميقة الجذور في المسيرة الإدارية القوية لآل مكتوم منذ عهد الشيخ سعيد بن مكتوم، رحمه الله، الذي نقل عنه صاحب السمو جوهر تفكيره في التخطيط لمستقبل دبي، حيث قال في القصة رقم ( 35) من كتابه ( قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً ) وكانت بعنوان «الوجهة دبي» حيث قال:

«آمن جدّي الشيخ سعيد بن مكتوم بالانفتاح على العالم وبتحرير الاقتصاد وبدعوة التجار ليتخذوا من دبي محطة لهم، يستوردون إليها، ويصدرون منها»، ثم يتابع الحديث عن مواصلة التفكير بانفتاح دبي على العالم لدى والده الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، حيث يقول:

«عرف أبي من جدّي أن حياة دبي الاقتصادية وميزتها الرئيسة وشريان حياتها المستمر هو في انفتاحها على العالم وربطها بين الشعوب»، لتكون هذه الأفكار مصدراً من مصادر الإلهام المبكر في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي يؤكدُ دائماً أنّ «دبي» هي ثمرة مسيرة طويلة من البحث عن الذات والهوية، وأنها مدينة مفتوحة على المستقبل، وأنها مدينة لا تعرف التراجع لا سيما بعد أن حققت حضوراً عالمياً، جعل منها دانة الدنيا دون منازع.

لقد كانت مدينة دبي محظوظة بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فهو ليس حاكماً لها فقط، بل هو عاشقٌ لكل تفاصيلها، وهو الساهر على صناعة تاريخها ومجدها، وهي المدينة التي تحتل مكاناً خالداً في ذاكرته لا يتراجع على مرور الأيام، وهي اليوم تعيش حالة زهوٍ وازدهارٍ وتقدمٍ حقيقية، جعلت منها في لحظتها التاريخية الحاضرة مدينة تنافس مدينة سمرقند؛ لؤلؤة المدن في طريق الحرير في العصور الوسطى، والتي قيل فيها:
«ما استقبلت الشمس مدينة أجمل من سمرقند»، وها هي دبي تدخل في الثقافة الحديثة كواحدة من أكثر المدن العالمية جاذبية ونشاطاً، وتحتل مكانتها الفريدة في طريق الحرير الجديد.

تأسيساً على هذا المجد التاريخي الراسخ لمدينة دبي التي بلغت قمة مجدها في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد؛ جاء اختيار صاحب السمو مِن قِبل «منتدى طريق الحرير العالمي» ليكون هو الشخصيّة الأدبية الملهمة لشعراء طريق الحرير، تقديراً لمكانته الشعرية العالية، ورؤيته السياسية النافذة التي جعلت من مدينة دبي مركزاً عالمياً حضارياً يتمتّع باحترام صادق على مستوى العالم، وجسراً حديثاً يربط بين الشرق والغرب ضمن معطيات العصر الحديث.
حيث سيعقد المنتدى مهرجانه الخامس في مدينة دبي من الفترة 23 إلى 25 من شهر مايو لهذا العام، بمشاركة خمسين شاعراً وفناناً ورساماً، حيث سيقومون بزيارة العديد من الأماكن الثقافية والسياحية تقديراً لمكانة دبي العالمية، وتكريما لشخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد شاعراً عظيم المنزلة بين شعراء عصره، لا سيما في الشعر النبطي، حيث يحتل مكانة سامقة في هذا الفن الشعري الصعب، وتجود قريحته بأروع البدائع الشعرية التي تحكي قصة الوطن في المقام الأول، تحتفي برجالاته الكبار لا سيما القادة المؤسسون.

كما جادت قريحته بروائع تحكي مجد الخيل وقصة حضورها العميق في وجدان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي خصص لها ديواناً كاملاً بعنوان «قصائدي في حب الخيل»، يشتمل على غُرَر القصائد المعبرة عن الحضور العميق للخيل في قلب صاحب السمو.

كما خصص ديواناً ضخماً كاملاً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، سماه ( زايد ) يشتمل على سبع وثمانين قصيدة، هي عدد سنوات عمر الشيخ زايد، رحمه الله، فضلاً عن قصائده الخالدة في حُب الوطن والافتخار بعلَم الدولة وجيشها ومؤسساتها، مخصّصاً لذلك ديواناً كاملاً بعنوان «قصائدي في حبّ الوطن»، بالإضافة إلى قصائده الوجدانية الباهرة لا سيما فيما يتعلق بالغزل الرقيق؛ فصاحب السمو هو من فرسان هذا الفن الراقي، وتعكس قصائده إحساساً وجدانياً فريداً يضعه في مصاف الشعراء الكبار.

كما اختار صاحب السمو أربعين قصيدة تعكس تأملاته العميقة في طبيعة الصحراء وما تتركه في النفس من المشاعر، كما أصدر ديواناً بعنوان «ومضات من شعر» مع ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.

لقد جاء هذا الاختيار لمقام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، كما تقول البروفيسورة وانغ فانغوين، رئيسة لجنة الشعر التابعة لمنتدى طريق الحرير العالمي: تقديراً لدولة الإمارات لما تُمثّله من رمز للتعايش والسلام بين الشعوب بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
كما أن إقامة فعاليات المهرجان في دبي هو اعترافٌ بمكانة دبي التي تنعش الذاكرة بطريق الحرير القديم، وما كان يُمثِّلُه من رمزية التعاون والتعارف بين الشعوب، فهو ليس اعترافاً بنشاطها الاقتصادي فقط، بل هو اعترافٌ بمكانتها المتميزة في التبادل الثقافي وتقديراً لسياسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي جعل الارتقاء بالوعي الثقافي ركيزة هامة من ركائز النهضة الشاملة في مدينة دبي الرائعة.

وتعبيراً عن هذه المكانة الفريدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أصدر المنتدى عدداً من مجلة «شعراء العالم»، احتفى فيها بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وكتبت البروفيسورة وانغ فانغون كلمة تعبر عن أهمية هذه الحفاوة حيث قالت:
«يسعى منتدى طريق الحرير العالمي إلى أن يكون منصة تجمع بين الثقافة والفنون والاقتصاد والتكنولوجيا، لإحياء قِيَم طريق الحرير بروح معاصرة تُعزّز التفاهم والسلام بين الأمم، وقد استلهمنا من تجربة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هذه القيم الإنسانية، واخترنا شخصية سموه لغلاف مجلتنا «شعراء العالم» مع دراسة وافية عن تجربة سموه في الشعر والأدب».

إن اختيار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من قبل هذا المنتدى الثقافي العريق هو خيرُ تعبيرٍ عن المكانة الرائدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الوجدان العالمي، وما تُمَثِّلُه من قيم التسامح والتعاون بين الشعوب والثقافات، كما يحمل تكريماً خاصاً لمدينة دبي التي أعادت إلى الحياة المعاصرة جميع القيم الثقافيّة والحضاريّة الّتي كان يُمثِّلُها طريق الحرير القديم، من حيث كونه جسراً للتواصل بين الثقافات والشعوب.
ولكنّه في جوهره العميق تكريمٌ خاصٌّ لشخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد صانع هذه اللحظة التاريخية الفارقة في تاريخ دبي على وجه الخصوص، فهو الفارسُ الشاعر الذي ينبض قلبه بحب هذا الوطن ويكتب أجمل صفحاته في دفتر التاريخ، وهو القائدُ الجسورُ الذي يتقدّم الصفوف ويصنع المجد الخالد بكل ثقةٍ وتواضعٍ واقتدار.



شريط الأخبار