العالم يتنفس الصعداء بعد الاتفاق الأمريكي الصيني

د. عبدالله المدني
لأن الاقتصادين الأمريكي والصيني هما أكبر اقتصادين في العالم على التوالي، فإن انجرافهما إلى خلافات وحروب، على نحو ما حدث في الأشهر القليلة الماضية، حبس أنفاس العالم لما لها من آثار وتداعيات سلبية على أحوال السوق وحرية التجارة وأسعار الصرف وتدفق الاستثمارات وغيرها.

وكما تنبأنا في مقال سابق من أن الخلافات التجارية بين بكين وواشنطن، التي أشعلها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع الرسوم الجمركية على واردات بلاده من السلع الصينية، بنسبة مرتفعة وصلت إلى 145 %، لن تدوم طويلاً لأن ليس في مصلحة القطبين الكبيرين، ولا في مصلحة الاقتصاد العالمي استمرارها، ولأن عدم التفاوض حولها سوف يؤدي لا محالة إلى وضع أشبه بما عاشه العالم إبّان الكساد العالمي العظيم في ثلاثينات القرن العشرين.

ومن هنا تركزت الأنظار، وسط ترقب وقلق، على محادثات جنيف التي بدأت في وقت سابق من شهر مايو الجاري بين وفد أمريكي برئاسة وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووفد صيني برئاسة رئيس مجلس الدولة «هي لي فينغ»، وذلك في محاولة لنزع فتيل التوتر بين البلدين وإيجاد حلول للقيود الجمركية المؤثرة على تجارتهما البينية.

وكان ترامب قد استبق عقد هذا اللقاء الأول بين بكين وواشنطن منذ إطلاقه حرب الرسوم الجمركية، بطرح فكرة تخفيض الرسوم على الواردات الصينية إلى 80 % (وهي نسبة تظل مرتفعة على نحو استثنائي).

جملة القول، أن العالم تنفّس الصعداء بعد أن أعلن الجانبان توصلهما إلى اتفاق (دخل حيّز التنفيذ يوم 14 مايو) تم بموجبه إعلان هدنة تجارية وتعليق معظم الرسوم الجمركية على سلع بعضهما البعض لمدة 90 يوماً، في انتظار مزيد من المفاوضات مستقبلاً.

وبموجب الاتفاق ستنخفض تعريفات ترامب الجمركية على الصين من 145 % إلى 30 % (ستنخفض الرسوم الأساسية إلى 10 % من 125 %، وستظل قائمة تلك الرسوم المنفصلة البالغة 20 %، والتي فرضها ترامب بسبب ما وصفه بدور الصين في تهريب مخدر الفنتانيل إلى الأراضي الأمريكية). في المقابل ستخفض بكين الرسوم الجمركية الانتقامية على السلع الأمريكية من 125 % إلى 10 %.

ويبدو أن الاختراق الذي حدث في محادثات جنيف كان بسبب تقديم كل جانب بعض التنازلات للجانب الآخر من أجل الخروج بنتائج مقبولة وجيدة للطرفين. والملاحظ أن الرئيس ترامب بدا مبتهجاً بما حدث، بل أشاد بنظيره الصيني.

ففي تصريحات أدلى بها في الطائرة الرئاسية التي نقلته إلى السعودية قال: «لقد توصلنا إلى إطار لاتفاق متين للغاية مع الصين»، مضيفاً: «لقد آن الأوان لتنفتح الصين، وهذا جزء من اتفاقنا. سندفع الصين للانفتاح. برأيي، هذا هو الجزء الأكثر إثارة للاهتمام» في الاتفاق.

ثم راح ترامب يستطرد قائلاً: إن «العلاقات مع الصين جيدة للغاية»، وراح يؤكد أن علاقاته مع نظيره الصيني شي جين بينغ «كانت دائماً علاقة رائعة، وأكنّ كثيراً من الاحترام له، وسنرى كيف ستسير الأمور». إلى ذلك لمّح ترامب إلى أنه قد يتعامل مباشرة مع الرئيس الصيني بشأن التفاصيل النهائية للاتفاق التجاري الأمريكي الصيني.

وعلى الرغم من محدودية الاتفاقية وعدم اليقين من نتائجها، إلا أنها سرعان ما أحدثت أثراً ملموساً على أحوال أسواق المال والعملات والأسهم. فمثلاً ارتفعت أسعار أسهم الشركات الآسيوية الصناعية مباشرة، وارتفع مؤشر «هانغ سنغ» للتكنولوجيا في هونغ كونغ بنسبة 5.2 % (أكبر مكسب له في شهرين)، وحقق الدولار الأمريكي أفضل أداء يومي له منذ أكثر من شهر، وارتفع الدولار التايواني بأكثر من 8 % مقابل الدولار الأمريكي، وحذت حذوه عملات آسيوية أخرى.

لكن الأهم من هذا هو أن المستثمرين أصبحوا فجأة أكثر إيماناً بحدوث مصالحة أمريكية صينية كاملة، وأقل قلقاً من حدوث المزيد من التدهور، يستوي ذلك مع شعور شركات تصنيع الرقائق في تايوان ومصدّري الإلكترونيات في كوريا الجنوبية، ومنتجي المركبات والآلات في اليابان ومؤسسات التجميع في فيتنام، بأن سلاسل التوريد قد خرجت من حالة الشلل المؤقت، على الأقل خلال الأشهر الثلاثة القادمة.

إلى ما سبق طالت آثار اتفاقية المصارف في مختلف أنحاء العالم، لا سيما في آسيا، موطن بعض أكثر الاقتصاديات القائمة على التصدير، حيث من المرجح أن يتجدد نشاط المصارف وتستأنف برامجها الاستثمارية والتوسعية التي توقفت بسبب عدم اليقين حول التعريفات الجمركية، وذلك انطلاقاً من رؤية مفادها أن الطرفين الأمريكي والصيني لا يستطيعان ــ على الأقل في الوقت الراهن ــ تحمّل تبعات انهيار علاقاتهما التجارية بشكل كامل، وأن المفاوضات القادمة بينهما سوف تحمل أنباءً سارة وحلولاً شاملة.



شريط الأخبار