العالم على كف «المارد»!

رشاد أبو داود
لم يكن أحد يتوقع أن تقصف أمريكا مدينتي هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين نوويتين في نهاية الحرب العالمية الثانية. اليوم، في ظل هذه الغابة من الحروب، من غير المستبعد أن تستخدم إحدى الدول السلاح النووي.
البؤر الساخنة في العالم كثيرة، لكنها حتى الآن عبارة عن تنفيسات البركان النووي. أما متى يتفجر البركان وأين، وهل يتفجر أم لا، فلا أحد يدري أو يستطيع أن يحسم الأمر. فقد دأبت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة، على ممارسة معادلة «الردع المتبادل، وصولاً إلى الاستقرار الاستراتيجي».
بمعنى التهديد بالسلاح النووي من دون استخدامه.
حدث ذلك أكثر من مرة، بينها الحصار الذي فرضه السوفييت على برلين 1948، الأزمة الكورية 1953 – 1955، أزمة مضيق تايوان 1954- 1955، حرب السويس 1956، حين هددت موسكو بالسلاح النووي، إذا لم توقف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر.
أكثر التهديدات بالسلاح النووي صدرت من موسكو. فقد أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن وضْع الترسانة النووية لبلاده في حالة تأهب، يوم 27 فبراير 2022، بعد ثلاثة أيام فقط على بدء حرب أوكرانيا.
وجرى تفسير هذه الخطوة باعتبارها «رسالة نووية واضحة» موجهة إلى الغرب، بعد ذلك تحوّل التلويح بالسلاح النووي إلى عمل روتيني للمسؤولين والدبلوماسيين الروس.

أما الإشارة النووية الجدّية الثانية، قد تكون أرسلتها روسيا من بيلاروسيا، عندما أعلن بوتين عن تزويد هذه الدولة المجاورة والحليفة بأنظمة صواريخ «إسكندر- إم»، التي يمكن تحميلها رؤوساً نووية.

وهو ما جرى تفسيره، رسالة نووية إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، مفادها أن روسيا مستعدة لنشر نظام دفاعي نووي، مع ما يعنيه ذلك من حالة تأهب جدّية على حدود أوروبا و«الناتو».

تَبِعَ ذلك تصريح للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بأن «مقاتلات سوخوي سو - 24 البيلاروسية، باتت جاهزة لحمل أسلحة نووية»، في تطوّر من شأنه تعزيز المخاوف الغربية.

الخطاب الرسمي الروسي، يؤكد مراراً على أن «موسكو لن تستخدم الأسلحة النووية إلا للرد على أسلحة الدمار الشامل، أو هجوم بالأسلحة التقليدية يهدّد وجود الدولة الروسية».
ثمة بعض المحللين من يعتقد أن الخطاب الروسي يقع في خانة التهديد. البعض الآخر يرى أن الأمر يتعلق بمؤشّرات قوية، تدل على مدى جديّة التوتر بين روسيا والغرب.
تؤكّد خطورة الوضع تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في افتتاح «مؤتمر معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية» الأخير، بقوله إن «البشرية اليوم على بعد سوء تفاهم واحد، خطوة واحدة غير محسوبة من الإبادة النووية».
بؤرة الخطر النووي الثانية، تلك التي بين أمريكا والصين. فقد قالت بكين، على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها، إنه «في السنوات الأخيرة، تقوم أمريكا بترويج مستمر لرواية التهديد النووي الصيني، التي تستخدمها كذريعة للتهرب من التزاماتها الخاصة في مجال نزع السلاح النووي، وهي أكبر مصدر للمخاطر النووية في العالم».
ويؤكد ذلك ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، أن «الرئيس بايدن وافق في مارس 2024، على خطة استراتيجية نووية سرية، تركز على ترسانة الصين سريعة النمو، وتهدف أيضاً إلى تجهيز أمريكا لتحديات نووية منسقة محتملة من الصين وروسيا وكوريا الشمالية».

البؤرة الساخنة الثالثة، هي كوريا، حيث أعاد وزير الحرب الأمريكي، بيت هيغسيث، إحياء ما يوصف بالدبلوماسية الحدودية، بزيارة نادرة مؤخراً إلى المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، في خطوة حملت رمزية سياسية وعسكرية بالغة، إذ تعد الأولى لمسؤول دفاع أمريكي منذ عام 2017، وتعكس رغبة واشنطن في تأكيد حضورها الاستراتيجي في شرق آسيا، وسط تصاعد التوترات مع بيونغ يانغ.
رافق هيغسيث نظيره الكوري الجنوبي إلى بلدة بانونجوم، المعروفة بأنها خط الهدنة الذي يرمز لانقسام شبه الجزيرة الكورية منذ عام 1953. وهناك، وقف الوزيران في نقطة تشهد واحدة من أكثر المواجهات العسكرية حساسية في العالم.
وأكدا أن التحالف الأمريكي الكوري الجنوبي «لا يزال حجر الزاوية للاستقرار في المنطقة». كما شملت الزيارة تلة المراقبة «أيليت»، حيث شدد الجانبان على أهمية الجاهزية الدفاعية المشتركة في مواجهة أي استفزازات محتملة من الشمال.



شريط الأخبار