وَهْمُ الايديولوجيا والحقيقة الاقتصادية

الهاشمي نويرة
القوّة في صالح ترامب والولايات المتحدة ولكنّ عامل الوقت ضدّهما



أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاثنين الماضي عن رفضه تجميد قرارات الترفيع في المعاليم الديوانية (الرسوم الجمركية) التي اتخذها ضدّ 185 دولة بينها العديد من الدول التي تصنّف في خانة الأصدقاء والحلفاء.

ولعلّ أخطر ما في تصريحات ترامب هي تلك المتعلّقة بالصين الشعبية، حيث أمهلها إلى غاية الأربعاء حتّى تتراجع عن فرض رسوم ديوانية بـ34 في المئة على الواردات الأمريكية، وهو قرار اتخذته الصين في إطار مبدأ المعاملة بالمثل.

ومع التهديدات الأمريكية الجديدة، فإنّ الرسوم الأمريكية على الواردات الصينية ستصل إلى 104 في المئة، وأعلنت الصين من جهتها رفضها مجدّداً للضغوط الأمريكية، مؤكّدة أنّها «ستتصدّى وتدافع عن مصالحها إلى النهاية».

ويشهد ميزان التبادل التجاري بين البلدين عجزاً متواصلاً بـ400 مليار دولار لصالح الصين، ويصرّ ترامب على جَسْرِ هذه الهوّة بكلّ الطرق المتاحة لديه، وفي المقابل، ما انفكّت الصين تؤكّد أنّ إطار حلّ مسألة الرسوم الديوانية هو متعدّد الأطراف، وأنّه لا يمكن بحالٍ أن يكون قراراً انفرادياً لأيّ دولة، لأنّ ذلك يخالف قواعد الاتفاقيات الدولية وخصوصاً منظمة التجارة العالمية.

وتحاول الصين جرّ الخلاف التجاري إلى الساحة القانونية ومتعدّدة الأطراف، في حين، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى حسم الخلافات بمنطق القوّة.

وتخطّط الولايات المتحدة للانسحاب من عديد المنظمات الدولية التي ترى فيها أطراً معطّلة للمصالح الأمريكية ومنها منظمة التجارة العالمية، معتبرة أنّ الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة لهذه المنظمات يتعارض مع سياساتها الاقتصادية القائمة على مبدأ «أمريكا أولاً».

وقد تأثّرت منظمة التجارة سابقاً بقرار أمريكي في 2019 اتخذه ترامب في ولايته الأولى، بمنع تعيين قضاة جدد في أعلى محكمة استئناف بها، ما أدّى إلى تعطل جزئي لنظامها الرئيسي لتسوية النزاعات.

وما قد يثير الاهتمام هو أنّ ما يأتيه ترامب من أفعال وقرارات، هو في الواقع يستند إلى فكر ثابت وأيدولوجيا تسكنه منذ عقود وحتّى قبل دخوله في المنافسة على الرئاسة، وأسس هذا الفكر هي التفوّق الأمريكي وضرورة رضوخ الآخر لهذه الحقيقة المطلقة. وبناء على هذه القناعات الراسخة في ذهنه، اتخذ ويتّخذ ترامب كلّ القرارات التي تبدو للعالم الخارجي غير منطقية وغير معقولة، ولكنّها في تقديره صائبة وصحيحة.

وإنّ إصرار الرئيس الأمريكي على التمادي في سياسته يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّه يريد فرض أمر واقع جديد محكوم بمنطق القوّة، وهو بذلك يسعى إلى إنهاء عالم محكوم بقوّة القانون المنظم للعلاقات بين البشر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وهو ما رأى فيه المراقبون نهاية منظومة ما بعد الحرب الكونية الثانية وبداية النهاية لاقتصاد معولم يقوم أساساً على حرّية التجارة.

إنّ سياسة وأيديولوجيا ترامب تؤكّدان أمرين اثنين، أوّلهما، الرفض الواضح لكلّ الأطر المشتركة التي خلقت ربيع التعاون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، والثاني، العودة بالبشرية إلى منطق القوّة الذي ساد منذ القرن الثامن عشر وجعل من الحمائية الوطنية قاعدته المطلقة.

كلّ سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تؤكّد مساعيه المحمومة لفرض الأيديولوجيا والحلم السياسي على الواقع والحقيقة الميدانية والاقتصادية. ولا نرى أنّ في برامج وخطط ترامب ما يفيد الكفّ عن مواجهة الواقع والحقيقة والرضوخ لقواعد المنطق، وهو ليس فيما يبدو في وضع أيديولوجي يسمح له بفَهْمِ وتفهّم أنّ الحقيقة والواقع ينتصران دوماً متى كانت الأفكار والأيديولوجيات لا تعترف بالمنطق وبالحسّ السليم وبالقواعد المشتركة بين البشر.

وإذا كان صحيحاً أنّ الإنسانية في بداية مسار جديد ومعقّد ودراماتيكي قد يؤدّي إلى نهاية مرحلة من العلاقات الدولية، فإنّ صرامة الردّ على خطط وسياسات ترامب ستحدّد طبيعة ومدى هذه المآلات، لأنّه من المعلوم أنّ القوّة في صالح ترامب والولايات المتحدة، ولكنّ عامل الوقت ضدّهما.

وقد شهد العالم على مدى الأسبوع ردود فعل كبيرة على سياسات ترامب، وإنْ تراوحت بين الردود الخجولة مثل الاتّحاد الأوروبي، والردود الصارمة كتلك التي عبّرت عنها الصين.

إنّ التمادي في التمسّك بالمواقع والمواقف من شأنه أن يغيّر طبيعة النزاع الحالي وقد تتحوّل «الحرب التجارية»، على خطورتها على استقرار اقتصاديات دول العالم، إلى حرب شاملة قد تأتي على الأخضر واليابس.



شريط الأخبار