حين تفكر الآلة .. هل تبقى الإنسانية آمنة؟

د. أحمد عبدالله النصيرات
كثيراً ما يُطرح موضوع الذكاء الاصطناعي في المحافل التقنية والإعلامية وحتى في الأحاديث اليومية، حتى بدا وكأننا استنفدنا الحديث فيه، لكنه، في الحقيقة، ليس مجرد عنوان رائج أو موضوع تقني عابر، بل قضية شائكة ومتعددة الأوجه، تزدحم بتفاصيلها الأخلاقية، والسياسية، والاقتصادية، والوجودية.


فالذكاء الاصطناعي ليس ما تراه في تطبيقات الهاتف المحمول فقط، أو الروبوتات أو غيرها من التقنيات التي نستخدمها في إطار يومي، بل هو منظومة متكاملة بدأت تتغلغل في صميم حياتنا، وتعيد تشكيل تصوراتنا عن العمل والقرارات وحتى عن قيمة الإنسان نفسه في هذا العصر الجديد. لذا، فإن مناقشة هذا الموضوع لا تكتمل بدون التوقف عند تساؤلاته الكبرى: هل نحن فعلاً من يقود هذا التطور؟ أم أننا بدأنا نفقد زمام الأمور لصالح عقل لا يعرف التردد ولا يملك الرحمة؟

في زمن يتغير فيه العالم بسرعة تفوق إدراك العقل البشري، يبدو أن الذكاء الاصطناعي قد أصبح نجم المشهد التقني، بل والسياسي والعسكري أيضاً. فبعد أن كان مجرد أداة مساعدة لتسهيل حياة الإنسان، بدأ يتحول تدريجياً إلى قوة فاعلة قد تعيد تشكيل مفاهيمنا حول العمل، والأخلاق، والسيادة البشرية ذاتها. وبينما يُبهرنا الذكاء الاصطناعي بقدراته الخارقة، تتصاعد المخاوف من مستقبله، ومن سيناريوهات قد تصل إلى فقدان السيطرة عليه وتحوله إلى عقل مستقل يصعب احتواؤه.

من أبرز التحديات التي تواجه البشرية اليوم في هذا السياق، تهديد الذكاء الاصطناعي للوظائف التقليدية، حيث من المتوقع أن يفقد ملايين البشر وظائفهم لصالح الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه إنجاز الأعمال بشكل أسرع وأكثر دقة وبتكلفة أقل. ولا يتوقف القلق عند حدود الوظائف، بل يتسع ليشمل مفاهيم الأمن والسلم والحرب. فقد تغيّرت آليات الحروب الحديثة بشكل جذري، ولم تعد الجيوش وحدها من تقاتل، بل دخلت الروبوتات إلى ساحة المعركة.

الصين، على سبيل المثال، تملك اليوم فرقة كاملة من الروبوتات العسكرية، وهناك روبوتات على هيئة كلاب مسلحة، وطائرات بلا طيار تقصف أهدافاً بدقة متناهية. وهنا ندرك بأن الأمم التي لا تشارك في صنع هذا التحول الذكي ستكون وقوداً له في المستقبل.

لكن التحدي الأكبر، يبقى التحدي الأخلاقي، وربما يكون الأخطر، فالذكاء الاصطناعي، رغم قدراته، لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ كما يفعل الإنسان. هو ببساطة يُنفذ ما بُرمج عليه، فهل نضمن أنه سيتصرف بحكمة في اللحظات الحرجة كما يفعل الإنسان بناء على ردّات فعل عصبية ومحاكمة عقلية ؟!.. هذا الأمر مستبعد بلا شك.

نحن أمام واقع جديد، حيث أصبحت الجراحة تُجرى بواسطة روبوتات، ويتم اتخاذ قرارات مالية وسياسية بالاستعانة بالخوارزميات. السؤال الجوهري الذي يجب أن نطرحه هو: هل يمكننا الاستفادة من هذه الطفرات التقنية بدون أن نترك أنفسنا عرضة لسيطرتها؟ كيف نوازن بين التقدم التقني والحفاظ على الإنسانية؟

الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي بدون ضوابط قد يفتح الباب أمام تحوّله إلى كيان مستقل، يتخذ قراراته بدون الرجوع إلى البشر. وما يزيد من تعقيد هذا السيناريو، هو أننا، كبشر، لا نعرف بعد الحدود الحقيقية لقدرات هذه التقنيات. إنها تتطور بسرعة تفوق قدرتنا على تنظيمها، أو حتى فهمها بالكامل.

وفي خضم هذا التسارع المحموم، تبدو الحاجة ملحة إلى وضع أطر قانونية وأخلاقية تضمن بقاء الذكاء الاصطناعي أداة بيد الإنسان، لا العكس. فبينما يمكن أن تسهم هذه التكنولوجيا في علاج الأمراض، وتسهيل الحياة، وتحقيق رفاهية غير مسبوقة، فإنها قد تتحول – إذا أُسيء استخدامها – إلى مصدر تهديد وجودي للإنسانية.

ختاماً، الذكاء الاصطناعي ليس عدواً، لكنه ليس صديقاً كاملاً أيضاً. إنه أداة، ومثل كل الأدوات، تعتمد فائدته أو خطره على كيفية استخدامه. والتحدي الحقيقي لا يكمن في ذكاء الآلة، بل في حكمة الإنسان أثناء تعامله مع هذه الآلة.



شريط الأخبار