تعريفات ترامب ومستقبل الاقتصاد العالمي

د. أمل عبدالله الهدابي
فاجأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، العالم بإعلانه عن فرض تعريفات جمركية جديدة على العديد من المنتجات المستوردة، بهدف تعزيز الإنتاج الصناعي الأمريكي، والحد من الواردات، وتباينت هذه الرسوم بين دولة وأخرى، حيث بلغ حدها الأدنى 10% على جميع دول العالم، فيما بلغت نسبتها نحو 20% على السلع الواردة من الاتحاد الأوروبي، و104% على واردات بلاده من الصين.

وبينما وصف ترامب الإعلان عن هذه الرسوم، بأنه إعلان للاستقلال الاقتصادي للولايات المتحدة، وسيساعد في استخدام تريليونات الدولارات لسداد الدين الوطني، أثار القرار ردود فعل دولية واسعة، حيث اعتبرته بعض الدول تهديداً للنظام التجاري العالمي، القائم على حرية التجارة والأسواق المفتوحة.

دوافع الإدارة الأمريكية للإعلان عن هذه التعريفات أو الرسوم، التي طالت معظم دول العالم بدرجات متباينة، ركزت على أربع مبررات، هي أن هذه الرسوم تشكل أداة تفاوضية، تُستخدم لإجبار الدول الأخرى على خفض حواجزها التجارية، وأنها ستعيد بناء القاعدة الصناعية الأمريكية، لا سيما للسلع الحيوية، مثل أشباه الموصلات، وتحول أمريكا إلى قوة تصديرية عظمى، بالإضافة إلى محاولة وقف صعود الصين، لتصبح منافساً قوياً لواشنطن.

كما وعد الرئيس الأمريكي بتحقيق إيرادات للميزانية من الرسوم، تتراوح بين 6 و7 تريليونات دولار. ورغم أن هذه المبررات والأهداف قد تكون موضوعية ومبررة من الناحية النظرية، فإن هذه القرارات لم تأخذ بعين الاعتبار مكانة الاقتصاد الأمريكي، بوصفه الاقتصاد الأكبر عالمياً، ومن ثم ترتب عليها حالة من الفوضى التي ضربت الأسواق العالمية. وخلال ثلاثة أيام فقط من القرار، تبخر حوالي 9.5 تريليونات دولار من القيمة السوقية للأسهم حول العالم.

تداعيات رسوم ترامب الجمركية السلبية، لم تطل فقط الخارج، أي الدول التي فرضت عليها الرسوم، بل أيضاً الأمريكيين أنفسهم، الذين سيعانون، ولو مؤقتاً، من ارتفاع أسعار مختلف السلع، نتيجة لهذه الرسوم، حيث أشارت بعض هذه التقديرات إلى أن هذه التعريفات ستكلف كل عائلة أمريكية حو 5200 دولار سنوياً، فيما توقع بنك جي بي مورغان، أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمقدار 0.3% على مدار العام، بعدما كانت التوقعات تشير سابقاً إلى نمو بنسبة 1.3%، فضلاً عن توقع ارتفاع معدل البطالة من 4.2% إلى 5.3%، ما يعني فقدان الآلاف من الوظائف في قطاعات حساسة كالصناعة والتكنولوجيا والتوزيع.

هذه التداعيات التي وصفها ترامب بأنها الدواء الذي يتعين تناوله لإصلاح شيء ما، قد تكون مؤقته بالفعل، لا سيما مع إعلان البيت الأبيض أن أكثر من 70 دولة اتصلت بترامب، وأبدت رغبتها في التفاوض بشأن حالة العجز أو الفائض التجاري بينها وبين واشنطن، وقد تتسبب في ارتباك متوسط وحتى طويل المدى في حركة التجارة الدولية، لكن النتيجة الأهم والأخطر لها، هي أنها ستعزز من السياسات الحمائية في الاقتصاد العالمي، ما يعني الارتداد عن فكرة حرية التجارة والأسواق المفتوحة، وبدء مرحلة جديدة من الاقتصاد العالمي تحكمها هذه السياسات الحمائية، التي قد تلجأ لها دول كثيرة، وهذا الأمر إذا حدث، فلا شك سيكون له تأثيراته الاقتصادية السلبية التي ستطال الجميع، دون استثناء.



شريط الأخبار