الدكتور ريكارد جالكيبرو
على مدى العقد الماضي، واجه السودان تحديات مستمرة، تراوحت بين «عدم الاستقرار الاقتصادي» واستمرار «النزاعات» التي لا تزال تلعب دوراً سلبياً في تقويض المشهد الإنساني، واليوم، ومع استمرار حالة الحرب الأهلية التي تعانيها البلاد، تتركز الأنظار على كيفية دعم السودان للانتقال نحو برّ السلام لعل بارقة أمل تتحقق في استقرار البلاد التي تقع منذ زمن تحت وطأة أوضاع إنسانية صعبة.ومع استعداد قادة العالم والمعنيين للمشاركة في مؤتمر السودان المزمع عقده في لندن في الـ 15 من أبريل الجاري، فلا بد من الإشارة إلى الجهود الإنسانية المبذولة لدعم السودان إنسانياً ومعيشياً وصحياً، وعلى رأسها جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت وما تزال واحدة من أكثر الدول دعماً لاستقرار هذا البلد من أجل مستقبل أفضل، حيث ضخت الإمارات موارد مالية ولوجستية كبيرة لدعمه في مجالي التنمية والعمل الإنساني.
وفي إطار التزامها الإنساني الراسخ، قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العقد الماضي ما يُقدَّر بنحو 3.5 مليارات دولار لدعم الشعب السوداني، في خطوة شكلت شريان حياة امتد ليُغذي قطاعات حيوية، من الخدمات الطبية إلى برامج التعليم والتنمية المجتمعية، كما سارعت الإمارات مع تصاعد وتيرة الصراع في السودان في أبريل 2023، إلى تعزيز دعمها الإنساني، متعهدة بتقديم 600 مليون دولار إضافية لدعم جهود الإغاثة العاجلة، وتمكين برامج التعافي، وذلك في رسالة واضحة تؤكد خلالها وقوفها المستمر إلى جانب الشعب السوداني في محنته.
ووسط الأوضاع المعيشية المتردية، يمتد الحضور الإنساني لدولة الإمارات ليشمل طيفاً واسعاً من القطاعات الحيوية، بدءاً من المساعدات الغذائية الطارئة، مروراً بتوفير مياه الشرب الصالحة، وصولاً إلى خدمات الرعاية الصحية، في مشهد يعكس فهماً ودعماً استراتيجياً عميقاً لطبيعة الاحتياجات الملّحة للمجتمعات المتضررة من النزاعات، حيث حوّلت دولة الإمارات دعمها إلى واجب أخلاقي تتحمل مسؤوليته جميع الدول القادرة على مد يد العون، وذلك انسجاماً مع مبادئها الراسخة في تقديم الدعم الإنساني.
وانطلاقاً من حرصها على تحقيق أثر إنساني فعّال، تخصص دولة الإمارات جزءاً كبيراً من مساعداتها عبر منظومة الأمم المتحدة والوكالات الدولية الشريكة، لضمان وصول الموارد إلى الفئات الأكثر حاجة، حيث تشكل هذه الشراكات الدولية المتينة جسراً فعالاً لتحقيق ذلك.
ولا يقتصر الدعم الإماراتي على تقديم التبرعات فحسب، بل يشمل جهوداً حثيثة لضمان وصول المساعدات إلى الخطوط الأمامية التي هي في أشد الحاجة إليها.
وفي ظل ضغطٍ متزايد يعيشه قطاع الرعاية الصحية في السودان، تعاني العيادات والمستشفيات من نقص حاد في الكوادر والمعدات، حيث تتحول الإصابة الطفيفة في مناطق النزاع إلى خطر يهدد الحياة، واستجابة لهذه الحاجة، دعمت دولة الإمارات إنشاء وتجهيز مرافق طبية لعلاج مختلف الحالات، من الأمراض البسيطة إلى إصابات الحرب، ورغم التحديات، يبقى الهدف ثابتا؛ وهو تمكين الأطباء والممرضين من إنقاذ الأرواح.
ولا تقف المعاناة عند حدود القطاع الصحي، إذ تمثل ندرة المياه تحدياً كبيراً، يواجه مخيمات النازحين مثل زمزم وأبو شوك، حيث تضطر العائلات للانتظار في طوابير قد تمتد لأيامٍ للحصول على المياه، واستجابة لهذا الواقع، ركزت الإمارات على توفير مياه الشرب الصالحة، بالتعاون مع منظمات محلية، وهو ما أسهم في تخفيف العبء عن كاهل السكان في مختلف المناطق والمخيمات.
وعلى الرغم من أن التحديات التي يواجهها السودان لن تُحل بين ليلة وضحاها، إلا أن مؤتمر لندن المرتقب في الـ 15من الشهر الجاري يمثل فرصةً محورية لجمع المانحين والمنظمات الإنسانية لمناقشة مستقبل البلاد. وقد يشكل هذا الحدث أيضاً نقطة انطلاقٍ لتعزيز الدعم الدولي، على خطى دولة الإمارات التي رسخت مكانتها في ميادين العمل الإنساني والإغاثي إقليمياً وعالمياً.
وإلى أن يعود الأمل وتستقر الحياة في السودان، يبقى تمكين المجتمعات المحلية أولوية لا غنى عنها. فالمساعدات وحدها لا تثمر ما لم تسهم في إعادة بناء المجتمع، وضمان عودة واستمرار الخدمات الأساسية، وتعزيز التنمية المجتمعية والذاتية، حيث يعد دعم المجتمع المدني، والاستثمار في التعليم، وخلق فرص عمل للشباب ركائز أساسية لأي خطة حقيقية لمستقبل السودان بعد انتهاء النزاع.
وفي وقتٍ تُلقي فيه ظاهرة «إرهاق المانحين» بظلالها على الاستجابات العالمية للأزمات الممتدة، تبرز الجهود الإماراتية كدليل على أن الالتزام الإنساني المستمر، المبني على الشراكة والتخطيط بعيد المدى، يمكن أن يصنع فارقاً حقيقياً، وفي حال تمكن مؤتمر لندن من البناء على هذه التجارب وتوسيع نطاقها، وتحفيز المزيد من الدول والمؤسسات على السير في الاتجاه ذاته، فقد يشكل ذلك نقطة تحول في مسار السودان نحو الخروج من دوامة المعاناة، وبدء رحلة حقيقية نحو سلام مستدام ومستقبل أكثر أمناً وإشراقاً.