د. محمد النغيمش
تقول المليارديرة السعودية لبنى العليان إن أباها قدم لها نصائح عدة عندما عهد إليها زمام مسؤولية إدارة الإمبراطورية المالية لعائلة العليان، فقال لها ما معناه: يا ابنتي..هناك نوعان من المهنيين، سوف تحتاجين إليهما طوال حياتك: المحامي والمحاسب.. أنصتي لهما جيداً، ولكن لا تدعيهما يتخذان قرارات نيابة عنك. ولذلك ظلت تلك النصيحة عالقة في ذهنها لعقود طويلة.
في عالم الاستثمار، كنا، وما زلنا، نتبع ذلك المبدأ.. فلا يمكن لعاقل أن يتجاهل رأي محامٍ أو محاسب، لأن تداعيات ذلك وخيمة.. لكن بعض المسؤولين الجدد أو المترددين في القرار، يبالغون في الاستناد على رأي قانوني أو محاسبي، وكأنه هو الأساس، وينسون جهود الإدارات الفنية الأخرى، وذلك حتى يتراجعوا عن قرارات استراتيجية..
نجد التخبط يحدث مع من لم يأخذ حظه الكافي من الخبرة العملية، فيقفز بعد إلحاحه إلى كرسي المدير، قبل أن يتعلم جيداً أبجديات الإدارة.. أما القيادي الحكيم، الذي جمع من المعلومات والآراء والرؤى ما يكفي لاتخاذ قرارات تجني ثمارها المؤسسة لاحقاً، فلن يتردد في اتخاذ ما يراه في مصلحتها.
مشكلة المبالغة في سماع رأي المحامي واتباع ما يقوله بحذافيره في مشاريع معينة، تؤدي إلى تعطيل مسيرة تقدم المؤسسة.. فعندما يقرر رئيس شركة توقيع عقد شراء أصول أو بناء شراكة مع شركة أجنبية، تفتح له سوقاً جديدة، ثم يأتي المحامي فيؤكد أن العقد فيه مخاطر قانونية، وينصحه بألا يُوقِّع.. هنا سيتشبث القائد المتردد بحجج المحامي، لكيلا يمضي قدماً في المشروع.
لكن المسؤول الشجاع الذي بذل ما في وسعه لدراسة الموضوع، ستجده يميل نحو تعديل بنود المخاطرة، وإضافة الضمانات اللازمة، ثم يتخذ قراره بالتوقيع.. بعد عام، ستنعم شركته في العمل في ثلاثة أسواق، وستتضاعف إيراداته، لأنه لم يطبق ما قاله المحامي حرفياً.
المحامي يميل نحو حمايتك، وهو بطبيعته يخشى المخاطرة، لأن خطواته عادة ما تكون مدروسة، ومدعمة بأدلة دامغة على حجية مواقفه، وهو أمر ليس مطابقاً لما يجرى في عالم التجارة الواسع والمرن.
هناك محامون أذكياء، تعاملت شخصياً معهم في المنطقة العربية، وفي الولايات المتحدة وآسيا، وآخرين يؤثرون السلامة، لأن نجاحنا التجاري لا يعود بمردود مباشر على جيوبهم.. وهنا مكمن الخطر عند الإفراط في الاستناد على رأي قانوني، لم يجتهد في البحث عن مخارج تراعي الجوانب التجارية ومستقبل الشركة.
وقد يحذر محاسب من مشروع تجاري، بحجة ارتفاع تكلفته، لكن المسؤول قد يرى فيه استثماراً لسمعة الشركة على المدى الطويل، أو مردوداً مالياً لاحقاً..
هناك مشاريع تسويقية، كالرعايات المدروسة، ليس لها أثر مادي ملموس، لكن وقعها السوقي يتجلى أثره بعد حين.. هذه الحالة لا يحبذها بعض المحاسبين، لأنها تتعارض مع طبيعة عملهم الرقمية.
وقد رأينا كيف يتزلف بعض كبار المحاسبين للقياديين، عبر التهويل تارة، أو التشكيك تارة أخرى، حتى يصبح المسؤول مع مرور الوقت طيعاً لما يقوله المحاسب.
قد ينجح المحاسب في ذلك، لكنه في الواقع يضر المؤسسة التي اؤتمن عليها، علاوة على أنه ليس من مهامه الدخول في صلاحيات كبار القياديين.. كل ما عليه أن يضع رأيه الفني، ويمضي، لا أن يمارس الضغط والتهويل والابتزاز المعنوي غير المباشر.
الاستشارة عون لمتخذ القرار، وليست عذراً لانسحابه من المواجهة. من المهم تذكر أن المحامي يرى بعين الخطر، والمحاسب بعين التكلفة.. أما المسؤول، فهو من يناط به تحقيق الهدف بأكفأ الطرق..
والمفارقة المنسية، أن أحداً من المستشارين لن يتحمل تداعيات القرارات، لأن المسؤولية مناطة بمتخذ القرار وحده. تبقى نصيحة والد لبني العليان، درساً قيادياً عملياً: استمع، لكن لا تتنازل عن قرارك.. ولعل هذا ما جعل لبنى تُمازح زوجها المحامي بقولها، إن والدي أوصاني ألا أترك المحامي يتخذ قرارات نيابة عني!