الامارات 7 - -مصطفى ذكري
عندما أُعِيدَ انتخاب إبراهام لينكولن عام 1864، قيل آنذاك: إن حكومة الولايات المتحدة تدرك تماماً بأن سياستها ليست الآن، ولا ينبغي أن تكون يوماً، رجعية، ومع ذلك ينبغي لنا أن نحافظ على السمة التي طالما وسمتنا، وهي الامتناع أي تدخُّل غير شرعي في الخارج. إن مبادئنا تُملي علينا أن نطبّق العدالة نفسها على كل الكائنات البشرية، وكل الدول، كما أننا نعوِّل على التبعات المثمرة لجهودنا كي نحظى بدعم مواطنينا، ونحظى أيضاً باحترام وصداقة العالَم أجمع. لو وضعنا الفقرة السابقة تحت اختبار الزمن، ستبدو أن النزعة الشمولية التبشيرية، هي التي اكتسحتْ، وما زالتْ، سياسات الولايات المتحدة لأكثر من قرن ونصف القرن، وأن عدم تدخلها في شؤون الخارج لا يتعدَّى بلاغة الكذب. وصفة العدالة، هي وصفة أمريكية بحتة، ولا تملكها الكائنات البشرية خارج حدود الولايات المتحدة، ولهذا يجب أن تُفرض بالقوة على الكائنات البشرية، حتى لو بدتْ هذه العدالة في ظاهرها، وفي عيون الكائنات البشرية، ظالمة ومدمرة. ما الذي يجعل الطالب الأمريكي يُصدِّق في مناهج الدراسة، حكمة لينكولن الكاذبة؟ الصبغة الدينية البطولية تعميه عن رؤية البراغماتية الفظة.
الأمة الأمريكية تمتلك صنع الرأي العام العالمي، وتمتلك نخبة تتلاءم كلبيتها مع معايير العهد الما بعد أخلاقي، كما أنها تستند إلى بروتستانتيين أصوليين متعصبين، ومقتنعين بأن الولايات المتحدة تؤدي دوراً مركزياً في صراع الخير التوراتي ضد الشر العالَمي، شر الكائنات البشرية غير الأمريكية.
يمكن القول إن الوثيقة التي نشرتها إدارة الرئيس بوش الابن في 2002، ما زال عُصابها طاغياً على السياسة الأمريكية، وتنص الوثيقة على: الدفاع عن أرجاء العالَم كله من أجل قيم الحرية والديمقراطية، مع الحظر على أية قوة، أن تنافس الولايات المتحدة في المجال العسكري، والولايات المتحدة من حقها التدخُّل وقائياً في أي مكان، والحصانة للمواطنين الأمريكيين من المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن الولايات قد تعترف أو لا تعترف بسلطة الجنائية الدولية على غير الأمريكيين. باختصار الولايات المتحدة الأمريكية، هي إمبراطورية الخير. عُصاب الخير الأمريكي يزداد حدة مع سقوط وانهيار الدول حول الولايات المتحدة.
كان إبراهام لينكولن، رغم تحريره للعبيد، من المدافعين عن نزوح الأمريكيين السود، وهجرتهم الطوعية إلى الخارج، ومن المؤمنين بالتفوق العرقي للبيض، ودعا قبل توقيعه إعلان تحرير العبيد في الجنوب الكونفيدرالي، وفداً من المُحرَّرين السود، إلى التفكير في الهجرة إلى هايتي أو أمريكا الوسطى، وقال لهم: إن ذلك أفضل لنا ولكم، أن نكون منفصلين. كأنه يقول: وسنمارس عليكم عُصاب الخير الأمريكي عن بعد. في بداية فيلم "لينكولن" 2012، للمخرج ستيفن سبيلبرغ، يشكو الجندي الأسود كلارك، للرئيس لينكولن الذي لعب دوره الممثل دانيال دي لويس، من أن أجر الجنود السود في الحرب أقل من أجر الجنود البيض بثلاثة دولارات في الشهر، وثلاثة دولارات أخرى أقل من أجل الزي الرسمي، والآن أصبح الأجر متساوياً بين الأبيض والأسود، لكن لم يٌعيَّن بعد ضبَّاط من الزنوج، وربما في غضون بضع سنوات، سيتسامح البيض في وجود ضبَّاط من الزنوج، وبعد خمسين سنة، قد يقبلون في وجود عقيد زنجي، وبعد مائة سنة، سيكون هناك تصويت انتخابي. يبتسم دانيال دي لويس ببرود هادئ حكيم، لا يرفض طموح الجندي الأسود كلارك، لكن أيضاً لا يقبله. يُعلن لينكولن أن كل العبيد الذين يعيشون في أراضي الكونفيدرالية سيكونون أحراراً، وعلى الحكومة التنفيذية للولايات المتحدة بما فيها السلطات العسكرية والبحرية أن تعترف منذ الآن بحرية الأشخاص المعنيين وتصونها. ويأتي في الزمن مارتن لوثر كينج، وتتحقق النبوءة الحدسية للجندي الأسود كلارك، ويأتي لرئاسة الولايات المتحدة لفترتين، باراك حسين أوباما الأسود، لكن تأتي معه أيضاً مُفارَقَة، وهي أن قتل السود من الشرطة البيضاء لمجرد التحقق التافه من أوراق ثبوت الشخصية في عهد باراك حسين أوباما، أكثر من قتل الشرطة البيضاء للسود، ولنفس الأسباب، في عهد جورج بوش الابن أو قبله جورج بوش الأب.
24
عندما أُعِيدَ انتخاب إبراهام لينكولن عام 1864، قيل آنذاك: إن حكومة الولايات المتحدة تدرك تماماً بأن سياستها ليست الآن، ولا ينبغي أن تكون يوماً، رجعية، ومع ذلك ينبغي لنا أن نحافظ على السمة التي طالما وسمتنا، وهي الامتناع أي تدخُّل غير شرعي في الخارج. إن مبادئنا تُملي علينا أن نطبّق العدالة نفسها على كل الكائنات البشرية، وكل الدول، كما أننا نعوِّل على التبعات المثمرة لجهودنا كي نحظى بدعم مواطنينا، ونحظى أيضاً باحترام وصداقة العالَم أجمع. لو وضعنا الفقرة السابقة تحت اختبار الزمن، ستبدو أن النزعة الشمولية التبشيرية، هي التي اكتسحتْ، وما زالتْ، سياسات الولايات المتحدة لأكثر من قرن ونصف القرن، وأن عدم تدخلها في شؤون الخارج لا يتعدَّى بلاغة الكذب. وصفة العدالة، هي وصفة أمريكية بحتة، ولا تملكها الكائنات البشرية خارج حدود الولايات المتحدة، ولهذا يجب أن تُفرض بالقوة على الكائنات البشرية، حتى لو بدتْ هذه العدالة في ظاهرها، وفي عيون الكائنات البشرية، ظالمة ومدمرة. ما الذي يجعل الطالب الأمريكي يُصدِّق في مناهج الدراسة، حكمة لينكولن الكاذبة؟ الصبغة الدينية البطولية تعميه عن رؤية البراغماتية الفظة.
الأمة الأمريكية تمتلك صنع الرأي العام العالمي، وتمتلك نخبة تتلاءم كلبيتها مع معايير العهد الما بعد أخلاقي، كما أنها تستند إلى بروتستانتيين أصوليين متعصبين، ومقتنعين بأن الولايات المتحدة تؤدي دوراً مركزياً في صراع الخير التوراتي ضد الشر العالَمي، شر الكائنات البشرية غير الأمريكية.
يمكن القول إن الوثيقة التي نشرتها إدارة الرئيس بوش الابن في 2002، ما زال عُصابها طاغياً على السياسة الأمريكية، وتنص الوثيقة على: الدفاع عن أرجاء العالَم كله من أجل قيم الحرية والديمقراطية، مع الحظر على أية قوة، أن تنافس الولايات المتحدة في المجال العسكري، والولايات المتحدة من حقها التدخُّل وقائياً في أي مكان، والحصانة للمواطنين الأمريكيين من المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن الولايات قد تعترف أو لا تعترف بسلطة الجنائية الدولية على غير الأمريكيين. باختصار الولايات المتحدة الأمريكية، هي إمبراطورية الخير. عُصاب الخير الأمريكي يزداد حدة مع سقوط وانهيار الدول حول الولايات المتحدة.
كان إبراهام لينكولن، رغم تحريره للعبيد، من المدافعين عن نزوح الأمريكيين السود، وهجرتهم الطوعية إلى الخارج، ومن المؤمنين بالتفوق العرقي للبيض، ودعا قبل توقيعه إعلان تحرير العبيد في الجنوب الكونفيدرالي، وفداً من المُحرَّرين السود، إلى التفكير في الهجرة إلى هايتي أو أمريكا الوسطى، وقال لهم: إن ذلك أفضل لنا ولكم، أن نكون منفصلين. كأنه يقول: وسنمارس عليكم عُصاب الخير الأمريكي عن بعد. في بداية فيلم "لينكولن" 2012، للمخرج ستيفن سبيلبرغ، يشكو الجندي الأسود كلارك، للرئيس لينكولن الذي لعب دوره الممثل دانيال دي لويس، من أن أجر الجنود السود في الحرب أقل من أجر الجنود البيض بثلاثة دولارات في الشهر، وثلاثة دولارات أخرى أقل من أجل الزي الرسمي، والآن أصبح الأجر متساوياً بين الأبيض والأسود، لكن لم يٌعيَّن بعد ضبَّاط من الزنوج، وربما في غضون بضع سنوات، سيتسامح البيض في وجود ضبَّاط من الزنوج، وبعد خمسين سنة، قد يقبلون في وجود عقيد زنجي، وبعد مائة سنة، سيكون هناك تصويت انتخابي. يبتسم دانيال دي لويس ببرود هادئ حكيم، لا يرفض طموح الجندي الأسود كلارك، لكن أيضاً لا يقبله. يُعلن لينكولن أن كل العبيد الذين يعيشون في أراضي الكونفيدرالية سيكونون أحراراً، وعلى الحكومة التنفيذية للولايات المتحدة بما فيها السلطات العسكرية والبحرية أن تعترف منذ الآن بحرية الأشخاص المعنيين وتصونها. ويأتي في الزمن مارتن لوثر كينج، وتتحقق النبوءة الحدسية للجندي الأسود كلارك، ويأتي لرئاسة الولايات المتحدة لفترتين، باراك حسين أوباما الأسود، لكن تأتي معه أيضاً مُفارَقَة، وهي أن قتل السود من الشرطة البيضاء لمجرد التحقق التافه من أوراق ثبوت الشخصية في عهد باراك حسين أوباما، أكثر من قتل الشرطة البيضاء للسود، ولنفس الأسباب، في عهد جورج بوش الابن أو قبله جورج بوش الأب.
24